للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذرّ! جعلني الله فداءك. قال: «يا أبا ذرّ تعاله «١» » قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة. إلّا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا» . قال فمشيت معه ساعة. فقال: «اجلس هاهنا. قال:

فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: «اجلس هاهنا حتّى أرجع إليك» . قال: فانطلق في الحرّة حتّى لا أراه. فلبث عنّي. فأطال اللّبث. ثمّ إنّي سمعته وهو مقبل وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى» . قال: فلمّا جاء لم أصبر فقلت: يا نبيّ الله جعلني الله فداءك. من تكلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل. عرض لي في جانب الحرّة.

فقال: بشّر أمّتك أنّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟. قال:

نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم.

قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم، وإن شرب الخمر» ) * «٢» .

٢٤-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر» ) * «٣» .

٢٥-* (عن خالد بن عمير العدويّ قال:

خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:

أمّا بعد. فإنّ الدّنيا قد آذنت «٤» بصرم «٥» وولّت حذّاء «٦» ، لم يبق منها إلّا صبابة «٧» كصبابة الإناء، يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم؛ فإنّه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا. ووالله لتملأنّ. أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ «٨» من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر، حتّى قرحت «٩» أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «١٠» فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا، فستخبرون وتجرّبون الأمراء


(١) تعاله: هكذا بهاء السكت.
(٢) البخاري- الفتح ١١ (٦٤٤٣) . ومسلم (٩٤) باب الترغيب في الصدقة، واللفظ له. ومعنى الحديث إجمالا: أن المكثرين من حطام الدنيا والمنهمكين في جمعها هم المقلون من الحسنات يوم القيامة إلا من جعل ما جمع في سبيل الله وعمل فيه خيرا.
(٣) مسلم ٤ (٢٩٥٦) .
(٤) آذنت: أعلمت.
(٥) بصرم: الصرم: الانقطاع والذهاب.
(٦) حذاء: مسرعة الانقطاع.
(٧) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء.
(٨) كظيظ: أي ممتلئ.
(٩) قرحت: أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته.
(١٠) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص. رضي الله عنه.