للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طعام، فمضى القيّم ومعه غلمان عبيد الله، فدفعوا إلى عجوز في خباء، فقالوا: هل عندك من طعام نبتاعه «١» منك؟ قالت: أمّا طعام أبيعه فلا، ولكن عندي ما إليه حاجة لي ولبنيّ، قالوا: وأين بنوك؟ قالت: في رعي لهم. وهذا أوان أوبتهم «٢» ، قالوا: فما أعددت لك ولهم؟ قالت: خبزة وهي تحت ملّتها «٣» أنتظر بها أن يجيئوا، قالوا: فما هو غير ذلك؟ - قالت: لا-. قالوا:

فجودي لنا بنصفها، قالت: أمّا النّصف فلا أجود به، ولكن إن أردتم الكلّ فشأنكم بها، قالوا: ولم تمنعين النّصف وتجودين بالكلّ؟ قالت: لأنّ إعطاء الشّطر نقيصة. وإعطاء الكلّ فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني، فأخذوا الملّة، ولم تسألهم من هم؟

ولا من أين جاؤوها؟ فلمّا أتوا بها عبيد الله، وأخبروه بقصّة العجوز، عجب وقال: ارجعوا إليها فاحملوها إليّ السّاعة، فرجعوا فقالوا: انطلقي نحو صاحبنا فإنّه يريدك، قالت: ومن هو صاحبكم أصحبه الله السّلامة؟ قالوا: عبيد الله بن العبّاس، قالت: ما أعرف هذا الاسم، فمن بعد العبّاس؟ قالوا: العبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: هذا وأبيكم الشّرف العالي ذروته، الرّفيع عماده، هيه، أبو هذا عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: نعم، قالت: عمّ قريب أم عمّ بعيد؟ قالوا: عمّ هو صنو أبيه، وهو عصبته، قالت: ويريد ماذا؟ قالوا:

يريد مكافأتك وبرّك، قالت: علام؟ قالوا: على ما كان منك. قالت: أوه «٤» . لقد أفسد الهاشميّ بعض ما أثّل له ابن عمّه «٥» ، والله لو كان ما فعلت معروفا ما أخذت بذنبه، فكيف وإنّما هو شيء يجب على الخلق أن يشارك بعضهم فيه بعضا. قال: فانطلقي، فإنّه يحبّ أن يراك، قالت: قد تقدّم منكم وعيد ما أجد نفسي تسخو بالحركة معه، قالوا: فأنت بالخيار إن بدا لك شيء بين أخذه أو تركه. قالت: لا حاجة لي بشيء من هذا إذ كان هذا أوّله. قالوا: فلا بدّ من أن تنطلقي إليه. قالت: فإنّي أنهض على كره إلّا لواحدة، قالوا:

وما هي؟ قالت: أرى وجها هو جناح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعضو من أعضائه، ثمّ قامت فحملوها على دابّة من دوابّه، فلمّا صارت إليه سلّمت عليه، فردّ عليها السّلام، وقرّب مجلسها، وقال: ممّن أنت؟ فقالت: أنا من كلب، قال: فكيف حالك؟ قالت: أجد القائت «٦» وأستمريه، وأهجع أكثر اللّيل، وأرى قرّة العين من ولد بارّ، وكنّة «٧» رضيّة. فلم يبق من الدّنيا شيء إلّا وقد وجدته وأخذته وإنّما أنتظر أن يأخذني، قال: ما أعجب أمرك كلّه. قالت: قفني على أوّل عجب، قال:

بذلك لنا ما كان في حواك «٨» ، فرفعت رأسها إلى القيّم


(١) نبتاعه: أي نشتريه.
(٢) أوان أوبتهم: أى وقت رجوعهم.
(٣) الملة: الرماد الحار والجمر.
(٤) أوه: كلمة توجع أو تحزن أو شكاية.
(٥) أثل له ابن عمه: أي ما تركه له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مجد أثيل أي عميق الجذور.
(٦) القائت: ما يقتات به الإنسان.
(٧) الكنّة: البيت، والكنة أيضا زوجة الابن.
(٨) حوا: مقصور حواء وهي بيوت للعرب مجتمعة تكون من الوبر. انظر: لسان العرب، مادة (ح وا) .