للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى الرغم من استبسال الصحابة في الدفاع عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد أصيب إصابات عديدة فقد كسرت رباعيته، وشجّ في وجهه، فأخذ يمسح الدم عن وجهه الكريم وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى الإسلام؟» «١» . فأنزل الله تعالى في ذلك: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «٢» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما طمع في إسلامهم: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» «٣» .

وبرزت مواقف بطولية شامخة لها دلالاتها الإيمانية تمثّلت في استشهاد عدد من المهاجرين والأنصار، وكان حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الذين استشهدوا في ذلك اليوم، قتله وحشيّ غلام جبير بن مطعم «٤» . كما استشهد أيضا عبد الله بن جحش، وعمرو بن الجموح وحنظلة بن أبي عامر، وثابت بن وقش «٥» . وساهمت النساء المسلمات في جيش المسلمين، يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ويحاربن عند الضرورة «٦» .

وقد استمر القتال بين الطرفين حتى أجهدا، وانسحب النبي صلّى الله عليه وسلّم بمن معه ومن لحق به من أصحابه إلى أحد شعاب جبل أحد «٧» ، وكان المسلمون في حالة من الألم والخوف والغم لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أصابهم رغم نجاحهم في رد المشركين «٨» . فأنزل الله عليهم النعاس فناموا يسيرا ثم أفاقوا آمنين مطمئنين «٩» ، قال تعالى:

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «١٠» .

وقد أجمع المفسرون على أن الطائفة التي قد أهمتهم أنفسهم هم المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول وبعض من بقي منهم مع الجيش الإسلامي «١١» .


(١) مسلم- الصحيح ٢/ ١٤٩، البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٦٥) معلقا، ابن هشام- سيرة ٣/ ٢٩.
(٢) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ١٢٨.
(٣) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤١٧ (حديث ١٧٩١) .
(٤) ابن هشام، السيرة ٣/ ١٢٩.
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٥٤) ، مسلم- الصحيح ٢/ ١٥٤، الحاكم- المستدرك ٣/ ١٩٩، ابن المبارك- كتاب الجهاد ص/ ٦٩، ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٤، وانظر: أحمد- المسند ٥/ ٢٩٩، الهيثمي- مجمع الزوائد ٩/ ٣١٥، أبو داود- السنن ٢/ ١٩.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٦/ ٧٨، ٧/ ٣٦٦) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي ١٢/ ١٨٩) وممن شاركن أم عمارة، وحمنة بنت جحش، وأم سليط، وأم سليم، وأم المؤمنين عائشة.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٥٨، مسلم- الصحيح ٢/ ٣٢١.
(٨) لم يصح قتال الملائكة في أحد ذلك أن الله تعالى قد علّق وعده بأن يمدّهم بالملائكة لنصرهم إذا ما تحققت ثلاثة أمور وردت في قوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران- الآية/ ١٢٥) وحيث إن هذه الأمور لم تتحقق فإن الإمداد لم يحصل، وانظر: الطبري- التفسير ٧/ ١٣٧- ١٩٠.
(٩) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٦٥) .
(١٠) آل عمران، الآية/ ١٥٤.
(١١) الطبري- التفسير ٧/ ٣٢٣، ابن كثير- التفسير ١/ ٤١٨.