للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس حاكم مصر «١» وكذلك رد المقوقس إليه «٢» فلم تثبت من طرق صحيحة، ولا يعني ذلك نفي إرسال الكتاب إليه، كما أن ذلك لا يعني الطعن بصحة النصوص من الناحية التاريخية فربما تكون صحيحة من حيث الشكل والمضمون غير أنها لا يمكن أن يحتج بها في السياسة الشرعية وذلك يسري على معظم وثائق العهد النبوي الأخرى إذ لا مجال لتصحيحها من الناحية الحديثية ولم تعن الكتب الستة بتخريجها مع بعض الاستثناءات، رغم أن الكثير منها يمكن أن يكون صحيحا من الناحية التاريخية «٣» ، فلقد أورد محمد بن سعد في طبقاته «٤» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث إلى المقوقس، جريج بن مينا ملك الإسكندرية وعظيم القبط، كتابا مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وأنه قال خيرا وقارب الأمر، غير أنه لم يسلم وأهدى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عدة هدايا كان بينها ماريّة القبطية، وأنه لما ورد جواب المقوقس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ضنّ الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه» «٥» .

وأورد الطبري رواية أسندها إلى ابن إسحاق جاء فيها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث شجاع بن وهب، أخا بني أسد ابن خزيمة، برسالة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق «٦» ، حين عودته والمسلمين من الحديبية، وقد تضمن نص الرسالة التي أسندها الطبري إلى محمد بن عمر الواقدي قوله: «سلام على من اتّبع الهدى، وآمن به، إنّي أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقي لك ملكك» . «٧»

وقد أظهر الحارث الغساني رفض الإسلام، والامتعاض من محتويات الرسالة، وحشد قواته لغزو المدينة، غير أن هرقل تدخل في الأمر ودعاه إلى إيلياء «٨» .


(١) أوردت بعض المصادر التاريخية وكذلك كتب السيرة كتابين نسبوهما إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، غير أنهما لم يثبتا من طريق صحيحة.
(٢) ذكرت بعض المصادر كتابين رد بهما المقوقس على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهما لم يثبتا أيضا من طريق صحيحة.
(٣) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة ٢/ ٤٥٩.
(٤) الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠- ٢٦١.
(٥) المصدر السابق ١/ ٢٦٠- ٦١ برواية الواقدي، وابن هشام- السيرة ١/ ٢٤٧، وانظر: ابن حجر- الإصابة ٣٠٠١، ٣/ ٣٣٥، ٤/ ٤٠٥، ابن كثير- البداية ٥/ ٣٤٠. وقد أورد الزيلعي- نصب الراية ٤/ ٤٢٤ نصوص الرسائل المتبادلة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمقوقس وكذلك ابن طولون- إعلام السائلين ص/ ٧٧- ٨١. وقد عثر المستشرق الفرنسي (ymelehtraB) في منطقة أخميم في صعيد مصر عام ١٨٥٠ م على رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس مكتوبة على جلد قديم، وقد نشرها في المجلة الآسيوية ١٨٥٤ م وقد وثق بها كل من المستشرقين بلين، ونولدكه. ونشر الدكتور عون الشريف قاسم الرسالة في كتابه «دبلوماسية محمد» ص/ ٨٠- ٨٦، ومن الجدير بالذكر أن أقدم نص لرسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المقوقس قد أوردها ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ ٤٦ ونقلها القسطلاني في المواهب اللدنية ١/ ٢٩٢- ٢٩٣.
(٦) وهو من أمراء الغساسنة وكانت إقامته على ما يظهر من النص في دمشق، الطبري- تاريخ ٢/ ٦٥٢.
(٧) الطبري- تاريخ ٢/ ٦٥٢، والسند الأول من طريق ابن إسحاق، والثاني من طريق الواقدي وكلاهما ضعيف.
(٨) ابن سعد- الطبقات ٣/ ٣٥٦، والراجح أن هذه الرسالة قد وصلت الحارث في الوقت نفسه الذي تسلم فيه هرقل رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي وجهها له مع دحية الكلبي، وبقية القصة أوردها ابن سيد الناس- عيون الاثر ٢/ ٢٧٠- ٧١، من رواية الواقدي أيضا وفيها نص الرسالة، وأورد ابن هشام- السيرة ٤/ ٣٣٩ خبر إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بإسناد ضعيف.