للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان قد لقيه بالأبواء فأسلم على يديه، وأسلم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة «١» ، وكان قبل ذلك شديد العداوة للمسلمين أيضا، وكان إسلامه حين التقى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين السقيا والعرج. ولقى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الجحفة عمه العباس ابن عبد المطلب مهاجرا بعياله يريد المدينة «٢» ، وكان العباس قد أسلم قبيل غزوة خيبر «٣» .

خرج ثلاثة من زعماء قريش من مكة ليتحسسوا الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وهم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن جزام، وبديل بن ورقاء، ولم تكن الأخبار قد وصلت مسامع قريش عن خروج المسلمين وتقدمهم ووصولهم إلى مرّ الظهران، ولكنهم كانوا يتوقعون أمرا بسبب فشل سفارة أبي سفيان إلى المدينة ومسعاه عند الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تجديد معاهدة الصلح، وكان الزعماء القرشيون الثلاثة قد أبصروا جيشا كثيفا يعسكر في المنطقة ولا حظوا كثرة نيران معسكره، وكان أبو سفيان ورفيقاه يتناقشون في أمر هذا الجيش، فقد ظن بديل بن ورقاء أنها جموع خزاعة، وعارضه أبو سفيان في ذلك، فمر بهم العباس بن عبد المطلب وأخبرهم بأنه جيش المسلمين، وحين سألوه عن رأيه طلب من أبي سفيان أن يمضي معه وبجواره إلى معسكر المسلمين، رغبة من العباس فيما يبدو في أن يصون مكة ويمنع الدماء والقتال، فوافقه أبو سفيان، ولما دخل أبو سفيان معسكر المسلمين أراد عمر قتله واستأذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم في ذلك فصرفه عنه، وأدخل العباس أبا سفيان على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فدعاه إلى الإسلام، وأمضى معه في ذلك شطرا من الليل، فتلطف في الكلام غير أنه تردد في إعلان إسلامه، ولكنه بعد أن أمضى ما بقي من ليلته تلك مع العباس عاد في صباح اليوم التالي فحضر مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسلم «٤» .

أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يطلع أبا سفيان على قوة المسلمين وعددهم وعدتهم وتنظيمهم، فأمر عمه العباس أن يقف مع أبي سفيان عند مضيق الجبل بمر الظهران، ومر جيش المسلمين أمامه وأدرك بأنهم أصبحوا قوة غالبة


(١) وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنه- لأبيها وقد حسن إسلامه وجاهد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم واشترك في حصار الطائف واستشهد خلال ذلك، انظر ابن عبد البر- الاستيعاب ٢/ ٢٦٣.
(٢) ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٠٠ وهو من مراسيل الزهري.
(٣) أحمد- المسند، الفتح ٢١/ ١٢٢، الصنعاني، المصنف ٥/ ٤٦٦، وأخرجه النسائي، ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٢١٧. وقد وردت روايات ضعيفة تبين إسلامه قبل غزوة بدر الكبرى، ابن سعد- الطبقات ٤/ ١٠- ١١، بل إن إحدى الروايات جعلت إسلامه قبل الهجرة إلى المدينة، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣١ بإسناد منقطع وفيه الواقدي، ومع التأكيد على ما قدمه الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم من خدمات جليلة للإسلام قبل إسلامه وبعد ذلك حيث كان عينا للرسول صلّى الله عليه وسلّم على قريش وملاذا للمستضعفين من المسلمين في مكة قبل أن يسلم، فإن أسره في معركة بدر مع المشركين ومطالبة النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه بأن يفتدي نفسه من الأسر تقطع بعدم دخوله الإسلام حتى ذلك الوقت. ويترجح أنه كتم إسلامه في الفترة التي أعقبت غزوة خيبر لمقتضيات مصلحة المسلمين.
(٤) ابن حجر- المطالب العالية ٤/ ٢٤٤، قال ابن حجر وهو حديث صحيح، وقد أسلم بديل الخزاعي وحكيم بن حزام حال وصولهما النبي صلّى الله عليه وسلّم- الواقدي- مغازي ٢/ ٨١٥، ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٣٥.