للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يحقق أمنهم مما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «١» .

قرر النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في مر الظهران الزحف على مكة فعبأ الجيش وقسمه إلى مجنبتين وقلب من الفرسان، وجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، والزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وأبا عبيدة عامر بن الجراح على الرجالة «٢» ، وكانت رايته سوداء ولواؤه أبيض «٣» .

لم يرتدع المشركون المعاندون ورءوس الكفر من قريش عن غيهم حتى بعد أن أحدقت بهم قوات المسلمين، فقد عولوا على تجميع قوات من قبائل شتى من حلفائهم لكي يدفعوهم لحرب المسلمين بقصد منعهم من دخول مكة، وكانوا مهيّئين للالتحاق بتلك القوات إذا حققت ما يؤملون، أما في حالة الفشل فإنهم يعطون ما طلب أبو سفيان منهم من الصلح. وقاد جموع أحلاف قريش التي تجمعت في الخندمة «٤» صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو «٥» .

أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم قواته بدخول مكة لفتحها وقتال المقاومين، فتقدم المسلمون حتى وصلوا إلى الصفا ما يعرض لهم أحد يقاومهم إلّا قتلوه «٦» .

دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة من أعلاها من جهة كداء «٧» ، في حين دخل خالد بن الوليد بقواته من أسفلها «٨» ، وكانت مقاومة المشركين يسيرة، وكانت أعنف المواجهات قد حصلت عند جبل الخندمة حين التحمت قوات خالد بالمشركين فاستشهد اثنان من فرسان المسلمين على أصح الروايات «٩» ، في حين قتل من المشركين اثنا عشر رجلا «١٠» ، وكان هذا القتال الذي جرى في مكة بسبب عدم احترام المقاومين للأمان الذي أعلنه النبي صلّى الله عليه وسلّم لأهل مكة، وقد توجع أبو سفيان بسبب كثرة القتلى وخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم قائلا: «يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد


(١) حديث «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن..» من رواية إسحاق بن راهويه، وهو صحيح وقد مر ذكره آنفا.
(٢) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٠٦ (حديث ١٧٨٠) ، ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٠٧.
(٣) ابن ماجه- السنن ٢/ ٩٤١ بإسناد حسن، الألباني- صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ١٢٣ رقم (٢٢٧٤، ٢٨١٨) ، وانظر كذلك النسائي- السنن ٥/ ٣٠٠.
(٤) أحد جبال مكة.
(٥) ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٠٧.
(٦) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٠٥ (حديث ١٧٨٠) .
(٧) البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٩ (حديث ٤٢٩٠- ٤٢٩١) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٠) .
(٩) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٤٢٨٠) ، وفي رواية ابن إسحاق ثلاثة (ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٠٧) ، والعمدة على ما أورده البخاري فقد نص على اثنين من الشهداء بين المسلمين.
(١٠) ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٠٧، الحاكم المستدرك ٣/ ٢٤١، ونقل البيهقي في السنن الكبرى (٩/ ١٢٠) من مراسيل موسى بن عقبة أنهم قريب من عشرين رجلا بالإضافة إلى ثلاثة أو أربعة من هذيل وذكر الواقدي أنهم أربعة وعشرون من قريش وأربعة من هذيل (المغازي ٢/ ٨٢٧- ٨٢٩) ، ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٢٦، وجعلهم الطبراني سبعين رجلا وهو ما نقل عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٤/ ٣٣١) .