للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليوم» .»

ولقد أهدر النبي صلّى الله عليه وسلّم دماء أربعة رجال وامرأتين بسبب ما كانوا قد ألحقوه من أذى شديد وتنكيل بالمسلمين فكان في إهدار دمائهم عبرة للطغاة والمستهترين، ولكل من تسول له نفسه الظلم والطغيان «٢» . وأباح النبي صلّى الله عليه وسلّم لخزاعة أن تثأر من بني بكر في اليوم الأول من فتح مكة حتى العصر وذلك لما كان منهم بالوتير «٣» ، وعند ما دخل العصر أمر بكف السلاح عن بني بكر، وبيّن حرمة مكة «٤» .

أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم العفو العام عن عامة أهل مكة حيث اجتمعوا إليه قرب الكعبة المشرفة ينتظرون حكمه فيهم فقال لهم: «ماذا تظنّون أنّي فاعل بكم؟» ،: فقالوا «خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم» فقال لهم: «لا تثريب عليكم يغفر الله لكم» ، وفي: رواية «اذهبوا فأنتم الطّلقاء» «٥» . وقد نزل قول الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ «٦» .

لم يدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة دخول الفاتحين، بل إنه دخل خاشعا لله تعالى وهو يقرأ سورة الفتح ويرجّع في قراءتها وهو على راحلته «٧» ، وقد دخل المسجد الحرام وطاف بالكعبة المشرفة فاستلم الركن بمحجنه كراهة أن يزاحم الطائفين ولكي يعلّم أبناء الأمة آداب الطواف، وأعلن صلّى الله عليه وسلّم حرمة مكة وبأنها لا تغزى بعد الفتح «٨» ، ورفع من مكانة قريش وأمر بألّا يقتل قرشي صبرا بعد الفتح وإلى يوم القيامة «٩» . وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم بتحطيم الأصنام والأوثان، وشارك صلّى الله عليه وسلّم بنفسه في ذلك وهو يقرأ قول الله تعالى: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «١٠» . وقوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً «١١» .


(١) مسلم- الصحيح ٢/ ٩٥- ٩٦.
(٢) البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٨، مسلم- الصحيح ١/ ٥٧٠، ابن هشام- السيرة ٢/ ٤١٠، البيهقي- السنن ٩/ ١٢٠، ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٢٩٩، كما نقله السيوطي عن النسائي وزهر الربا ٧/ ١٠٥) .
(٣) أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ١٥٩، المسند ٤/ ٣٢.
(٤) أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ١٥٩، المسند ٤/ ٢، ٣ وقد قتلت خزاعة في اليوم الثاني من أيام الفتح رجلا في مزدلفة تطلبه بثأر، فظهر على النبي صلّى الله عليه وسلّم الغضب الشديد ودفع دية القتيل البكري، وبين أن من قتل بعد ذلك قتيلا فأهل القتيل بالخيار بين القصاص والدية. وانظر حديث شريح في حرمة مكة، رواه البخاري في الصحيح (الفتح حديث ٤٢٩٥) ، مسلم ٢/ ٩٨٧- ٩٨٨ (حديث ١٣٥٤) .
(٥) القاسم بن سلام- الأموال/ ١٤٣، ابن سعد ٢/ ١٤١- ١٤٢.
(٦) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ ١٢٦.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤٢٨٠) .
(٨) الترمذي- السنن ٣/ ٨٣، وقال عنه: إنه حسن صحيح، أحمد- المسند ٤/ ٤١٢.
(٩) مسلم- الصحيح ٢/ ٩٧ (حديث ١٧٨٢) ، أحمد- المسند ٣/ ٤١٢، بإسناد صحيح.
(١٠) القرآن الكريم- سورة سبأ، الآية/ ٤٩.
(١١) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ ٨١ وقد ورد في رواية البخاري الآية (٤٩) من سورة سبأ ولم ترد الثانية (حديث ٤٢٨٧) وفي مسلم- الصحيح ٣/ ٢٤٠٨ (حديث ١٧٨١) وردت الأولى والثانية، وفي روايتين أخريين له أورد الآية من سورة الإسراء.