للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تم تحطيم الأصنام جميعا، وكان عددها ثلاثمائة وستين صنما «١» . وكانت قد علقت في جدران الكعبة الداخلية صورا لإبراهيم وإسماعيل وإسحق وهم يستقسمون بالأزلام فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قاتلهم الله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام» «٢» . ووردت رواية أخرى تذكر وجود صورة مريم معلقة داخل الكعبة «٣» فغطيت جميع الصور بالزعفران وتم إزالتها من جوف الكعبة قبل أن يدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها «٤» ، ووجد فيها حمامة من عيدان فكسّرها ورمى بها خارج الكعبة «٥» ، وعند ما طهرت الكعبة دخلها النبي صلّى الله عليه وسلّم وصلى بها «٦» . وحين خرج صلّى الله عليه وسلّم من الكعبة دعا عثمان ابن طلحة فأعطاه مفتاح الكعبة فأبقى الحجابة في أيدي بني شيبة كما كانت في الجاهلية «٧» ، ثم استلم الحجر الأسود وطاف بالبيت من غير إحرام مهللا مكبرا شاكرا ذاكرا حامدا «٨» .

أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بلالا الحبشي أن يؤذن، فصعد إلى ظهر الكعبة وأذن عليها «٩» ، وبعد تطهير البيت العتيق من الأصنام عاد البيت كما أراه الله تعالى مركزا للتوحيد الخالص، وكان ذلك أكبر ضربة للوثنية في جزيرة العرب حيث كانت الكعبة من أعظم مراكزها، وإتماما لهذا الهدف الأساسي، فإنه ما أن تم فتح مكة وجرى تطهير الكعبة، حتى بادر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى إرسال بعض أصحابه لهدم ما تبقى من مراكز الوثنية، فقد وجّه خالد بن الوليد إلى نخلة من ديار ثقيف لهدم «العزّى» التي كانت قبائل مضر وقريش وكنانة تعبدها وتعظمها، فهدمها، وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر رمضان «١٠» ، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى «مناة»


(١) البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٨، حديث ٤٢٨٧، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٠٨ (حديث ١٧٨١) .
(٢) البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٨، احمد- المسند ١/ ٣٦٥، وأورد البخاري رواية أخرى جاء فيها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم» (حديث ٣٣٥١) .
(٣) البخاري- الصحيح (حديث ٣٣٥١) .
(٤) المرجع السابق ٥/ ١٨٨.
(٥) الذهبي- المغازي ص/ ٥٥٢ من رواية لابن إسحاق بإسناد حسن.
(٦) البخاري- الصحيح ٥/ ٢٢٢ (حديث ٤٤٠٠) وقد أورد الإمام البخاري في هذه الرواية الصحيحة تفاصيل دقيقة عن المكان الذي صلّى فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم في جوف الكعبة، كما أورد تفصيلات عن بناء الكعبة والأعمدة الداخلية.
(٧) الصنعاني- المصنف ٥/ ٨٣- ٨٥ الأحاديث ٩٠٧٣، ٩٠٧٤، ٩٠٧٦، وانظر ابن حجر- فتح الباري- شرح حديث (٤٢٨٩) .
(٨) البخاري- الصحيح ٣/ ٢١ (حديث ٤٢٨٦) ، مسلم- الصحيح ٢/ ٩٩٠ (حديث ١٣٥٨) وفيه أنه كان يلبس المغفر منذ دخل مكة، ثم نزعه عن رأسه ولبس عمامة سوداء.
(٩) الذهبي- المغازي ص/ ٥٥٥ بإسناد حسن، البيهقي- دلائل النبوة ٥/ ٧٨ بإسناد صحيح، ابن سعد- الطبقات ٣/ ٢٣٤- ٢٣٥، الواقدي- مغازي ٢/ ٨٤٦ ونقل الواقدي تعليقات بعض وجهاء قريش على صعود بلال على ظهر الكعبة وهي تعكس الامتعاض والتمييز العنصري المخالف للإسلام بطبيعة الحال. ولم يكونوا قد أسلموا بعد.
(١٠) ابن هشام- السيرة ٤/ ١١٢ برواية ابن إسحاق، وفيه أن سدنتها وحجابها كانوا من بني شيبان وبني سليم حلفاء بني هاشم، وانظر الواقدي- المغازي ٢/ ٨٧٣، ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٤٥.