للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «١» .

وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله تعالى «٢» .

وهكذا فقد تخلف عن هذه الغزوة كثير من الأعراب والمنافقين، وعدد قليل من الصحابة من أهل الأعذار، وثلاثة من الصحابة تخلفوا دون أن يكون لهم عذر «٣» .

سارع المؤمنون إلى الالتحاق بهذه الغزوة التي كشف النبي صلّى الله عليه وسلّم عن وجهتها كما أسلفنا لكي يستعدوا لذلك، ولم يهابوا المشاق التي تنتظرهم بسبب بعد المسافة والحر الشديد وقلة المئونة، كما لم تفتنهم طيبات الحياة الدنيا ورغد العيش والأمن الذي يوفره لهم البقاء في المدينة.

ولما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بجيشه من المدينة ضرب معسكره بالجرف عند ثنية الوداع لكي يتلاحق أفراد الجيش به «٤» ، واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري «٥» ، وخلف على أهله علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أمره بالإقامة فيهم. وقد أرجف به المنافقون وقالوا «ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه» ، وأخذ عليّ سلاحه وخرج من المدينة حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل بالجرف، فأخبره بما قاله المنافقون عنه «٦» ، وقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟، وقد كذّب النبي صلّى الله عليه وسلّم مقولة المنافقين وقال لعلي: «ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا إنّه لا نبيّ بعدي» «٧» ، فرجع علي إلى المدينة. وأورد ابن إسحاق خبرا مرسلا «٨» ذكر فيه أن عبد الله بن أبي بن سلول ضرب معسكرا خاصا به أفرده عن معسكر النبي صلّى الله عليه وسلّم وجعله «على حدة، عسكره أسفل منه نحو ذباب» «٩» ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلف عنه عبد الله بن أبي،


(١) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات ١٠٧- ١٠٨، الطبري- التفسير ١٤/ ٤٦٨- ٤٧٥.
(٢) من مرويات ابن إسحاق بدون إسناد، ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٨.
(٣) وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وسوف يرد تفصيل أمرهم بعد اكتمال الحديث عن الغزوة وعودة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة.
(٤) البخاري- الصحيح (الفتح حديث ٤٤١٦) ، مسلم- الصحيح ١٨٧٠- ١٨٧١ (حديث ٢٤٠٤) .
(٥) ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٩، كما أورد خبرا نقله عن الدراوردي أنه استعمل على المدينة مخرجه إلى تبوك سباع بن عرفطة.
(٦) وردت مرسلة في ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٩- ٥٢٠.
(٧) وردت الحادثة، في البخاري- الصحيح ٥/ ٧، وفي مواضع أخرى منه، كما أوردها مسلم في صحيحه ٧/ ١٢٠- ١٢١ مع بعض التعديل لبعض المفردات، فقد جاء فيه: «أما ترضى» بدلا من «أفلا» ، وأسقط اسم علي من وسط الحديث، وانظر أحمد- فضائل الصحابة.
(٨) ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٩. والحديث أورده الإمام أحمد في كتابه «فضائل الصحابة» بطرق صحيحة عديدة أثناء تعرضه لفضائل الصحابي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) (فضائل ٢/ ٥٩٤ رقم ١٠١٠) .
(٩) جبل قرب المدينة.