للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزّندين «١» ، رحب الرّاحة «٢» ، سبط القصب، شثن الكفّين والقدمين «٣» ، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين «٤» مسيح القدمين ينبو عنهما الماء «٥» إذا زال زال قلعا «٦» يخطو تكفّؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية «٧» إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب «٨» ، وإذا التفت التفت جميعا «٩» خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء، جلّ نظره الملاحظة «١٠» يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام «١١» قلت: صف لي منطقه.

قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، طويل السّكت لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول ولا تقصير١»

، دمثا ليس


(١) الزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر.
(٢) الراحة: الكف، ورحبها: سعتها وهو دليل الجود، كما أن ضيقها وصغرها دليل البخل.
(٣) الشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة، أي ليست بمنعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظها سهلة سبطة، والقصب: جمع القصبة وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء، ليس فيه تعقد ولا نتوء، ويوصف به الشعر والأعضاء والجلد.
(٤) الأخمص من القدم الموضع الذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع من رجله شديد التجافي عن الأرض.
(٥) مسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير منعقد، فإذا صب عليهما الماء مر سريعا لملاستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف.
(٦) قلعا، ويروى قلعا، ويروى قلعا: والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة، وقد جاءت صفته في حديث آخر «إذا مشى تقلع» أراد به قوة مشيه، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويّا، لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطوه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به.
(٧) التكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام، والأصل في التكفؤ إذا كان مهموزا أن يكون بضم الفاء وإذا كان معتلا (أي بتسهيل الهمزة) فيكون بكسرها. أفاده ابن الأثير في منال الطالب، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب، والذريع: السريع أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه.
(٨) الصبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.
(٩) وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل أراد أنه كان لا يسارق النظر.
(١٠) الطرف: العين، خفض الطرف: ضد رفعه، وهو الغض منه والإطراق، جل الشيء: معظمه وأكثره، الملاحظة: أن ينظر الرجل بلحظ عينه وهو شقها الذي يلي الصدغ والأذن، ولا يحدق إلى الشيء تحديقا، و «نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء» ، تفسير لخفض الطرف والملاحظة.
(١١) يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم.
(١٢) تواصل أحزانه، ودوام فكره، وعدم راحته: لاهتمامه بأمر الدين والقيام بما بعث به وكلف تبليغه وخوفه من أمور الآخرة. والسكت: السكوت، والأشداق: جمع شدق وهو جانب الفم وإنما يتكلم الرجل بأشداقه لرحبها وسعتها، والعرب تمتدح بذلك. وجوامع الكلم: هي القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الذي لا يعاب قائله، والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل.