للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مريم إِلهان مع الله. وليس كما زعموه أَيضا من تركُّبه من أَقانيم ثلاثة (١) - الأَب والابن والروح القدس - وأَن كلا منهما له صفات الأُلوهية، وأَنها اتحدت وصارت إِلها واحدا؛ لأَن العقل - كما يحيل تعدد الآ لهة - يحيل كذلك تركبها واتحادها.

وفي هذا النص الكريم، من تأْكيد أَمر التوحيد ما لا يخفى.

وبعد أَن أَكد التوحيد، نزه نفسه عن اتخاذ الولد بقوله:

(سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ):

أَي: تنزه الله تعالى - تنزيهًا عظيما: لا حدود له، عن أَن يكون له ولد؛ لأَن اتخاذ الولد دليل الضعف، وأَمارةُ الحدوث، وصفةُ العاجز المحتاج إِلى من يعينه في حياته، ويَخْلفُهُ بعد مماته، واللهّ ﷿ تنزه عن ذلك، فقول النصارى: إِن عيسى ولد الله ليس شركا فقط، بل هو وصف لله - العلى القادر، المعبود الحق - بالعجز والضعف والحدوث.

ثم ذكر - تأْكيدًا لتنزيهه عن اتخاذ الولد - ما يدل على كمال قدرته، وتمام غناه فقال تعالى:

﴿لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الْأَرْضِ﴾:

أَي: لله سبحانه كل ما في السمَوَات من أَكوانٍ علوية: ما عرفناه منها وما لم نعرفه، وكذلك أَجرام السمَوَات، وله كل ما في الأَرض من أَجزائها، وما على ظهرها، وما في بطنها: خلقا وملكا وتدبيرا.


(١) عقيدة التثليث - في الأَصل - عقيدة وثنية، سبقت المسيحية بآلاف السنين، فقد ظهرت - عند البابليين - في صورة إله السما، وإله الأرض، وإله البحر، ثم في صورة إله الشمس، وإله القمر، وإله التشريع.
وظهرت عند الهنود في صورة الإله براهما، والإله شنو، والإله شيقا. وهو إله واحد في ثلاثة أقانيم. ثم ظهرت هذه الفكرة عند بطليموس الأول بالإسكندرية.
راجع تاريخ الفلسفة للدكتور مدكور ص ٦، ١٢، ٦٥.
كما ظهرت في المسيحية بعد المسيح بثلاثة قرون (انظر كتاب قصص الأنبياء لفضيلة الشيخ عبد الوهاب النجار، صفحة ٤٨٠، ٤٨٣ طبعة أولي).
وقد ورد في قاموس الكتاب المقدس ما نصه: "كلمة التثليث لم ترد في الكتاب المقدس، ويظن أن أول من صاغها واخترعها واستعملها: ترتليان، في القرن الثاني للميلاد … وكم نادى أريوس أن الأب وحده هو الأزلي، بينما الابن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخليقة.