هذا نداءٌ من الله للناس - جميعًا - منذ نزول الآية إِلى يوم القيامة. وبَدْءُ الكلام به، يشعر بعظمة ما سيلقى على المخاطبين كي تتفتح له قلوبهم، وتعيَهُ عقولهم، ويتوجه إِليه اهتمامهم.
(قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ):
الظاهر من السياق، أَن المراد بالبرهان: الرسول، أَي قد أَتاكم رسول هو محمَّد ﷺ مِن عند ربكم، أَي مربيكم، وهو الله الذي أنشأَكم وربَّاكم، وأَوصلكم غاية الكمال المراد لكم.
وسمِّيَ الرسول برهانًا، لأَن وظيفته، إِقامة الحجة، وإِظهار البرهان على تحقيق الحق وإِبطال الباطل.
وفي تسميته برهانا، وتنكير لفظة (بُرْهَان) وبيان أَنه أَتاهم من لدن مُربِّيهم ومتولي شئونهم إِشعارا بأَنه أَعظم برهان.
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا):
أَي: وأَنزلنا - من أَعلى المنازل لهدايتكم ولنفعكم - القرآن المجيد؛ أَعظم الكتب التي أَنزلناها لهداية البشر، وإِخراجهم من الظلمات إِلى النور.
وسمَّاه: نورًا مبينا، إِذ هو كالنور؛ يضيء الطريق ويظهر الحق، ويهدي إِلى سبيل الخير والرشاد.
وقيل المراد بالبرهان: القرآن، عبر عنه تارةً بالبرهان؛ لأَنه حجة على صحة نبوة محمَّد ﷺ الذي جاءَ به لإِحقاق الحق وإِبطال الباطل، وتارة أَخرى بالنور المبين؛ لأَنه ينير طريق الهداية أَمام الناس أَجمعين.
وقد تحدثت هذه الآية الكريمة، عن نعمتين عظيمتين، تفضل الله بهما على عباده:
النعمة الأُولى: تَفضُّلُه ﷾ بإِرسال محمَّد ﷺ أَعظم نِعم الله على الناس.