والمعنى: واتل يا محمَّد على اليهود - أو على أُمتك - خبر ابنيْ آدم تلاوة مقترنةً بالحق والصدق، حين قَدَّم كل منهما إلى الله قربانًا، ولم يكونا على درجة واحدة من الإِخلاص فيما تقربا به، فتقبَّل اللهُ قربان المخلص، ولم يتقبل قربان غيره. فامتلأَ قلبه غيظًا وحسدًا وحقدًا على أخيه التَّقِي الذي قُبِل قربانُه، مع أَنه لا ذنب للتقي في رفض الله قربان الشقي لأن المذنب هو الشقي بعدم إخلاصه لله تعالى.
قال الشقي لأَخيه التقي: لأَقتلنك. يريد بذلك أَن يتخلص منه، حتى لا يراه بعدما تقبل الله قربانه. فإن غريزة الفساد، لا تطيق الصلاح.
فأَجابه أَخوه الصالح بقوله: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ يريد بذلك أَنه لا ذنب له في عدم قبول قربانه، وأَن الذنب آت من قبله هو؛ لأنه لما لم يتق الله، لم يقبل الله قربانه، فإِنه تعالى، لا يتقبل إِلا من أَهل التقوى. فلو اتقاه قبل منه قربانه … فلا وجه لتحميله تبعة رفض قربانه وإقسامه على قتله.
وكما ذكرنا؛ طبيعة الشقي تسوغ له أَلَّا يرى إِلا الأَشقياء. كما أَن طبيعة التقي، تحبب إِليه أَلا يوجد إِلا الأَتقياء. فقال لأَخيه:
يقول الأخ الصالح الذي تُقبِّل قربائه لأخيه الذي لم يتقبلْ منه، وتورط في الإِقسام على قتله: تالله لئن مَددتَ إلى يدك لتقتلني، ما أَنا بباسط يدي إليك لأَقتلك، لأَنِّي أَخاف عقوبة الله رب العالمين إِن أنا قتلتك!!
يريد بمَا قاله: أَن يوقظ ضمير أَخيه، ليخاف عقاب الله تعالى، فيعدل عما أَقسم عليه، من قتله بدافع الحقد الذي لا مبرر له.