إِني أريد باستسلامي لك، وعدم قتلك - ابتداءً أو دفاعًا - أَن ترجع بإِثم قتلك لي، وإِثمك الذي لأجله لم يتقبَّلْ قربانك، إِذا أَصررت على قتلي ولم تخف رب العالمين، فتكون بذلك من أصحاب النار اللازمين لها، وهذا عقاب الظالمين المعتدين.
يريد بذلك، أن يوقظ ضميره، وأَن يعلم المصير الذي ينتظر القاتلين. وأنه لا ينبغي لأخ أن يقاتل أخاه، ولكن له أَن يدافع عن نفسه دون قتل أخيه إِذا استطاع إِلى ذلك سبيلا.
والإِسلام يقرر ردَّ العدوان بمثله. ويمنع قتال المسلم لأخيه المسم، ما لم يكن مضطرا للدفاع عن نفسه ولم يجد له نجاة إلا بقتل من اعتدى عليه. قال تعالى:
قال الجصاص: فالصحيح من المذهب - أي مذهب المالكية - أنه يلزم الرجل دفع الفساد عن نفسه وغيره، وإِن أَدى ذلك إِلى القتل.
وقال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ … ﴾ الآية.
إن المعنى: لئن بسطت إِليَّ يدك - على سبيل الظلم والابتداء - لتقتلني، ما أَنا بباسط يدي إليك، على وجه الظلم والابتداء.
وعلى هذا التفسير، تكون الآية داعية إِلى الاستسلام للقاتل، حتى تكون منسوخةً بنصوص الدفاع عن النفس، كما ذهب إِليه بعضهم. بل الغرض منها: أَنه لن يكون بادئا بالقتل، حتى لا يكون ظالما؛ لأنه يخاف الله رب العالمين.
قال الآلوسي: ولعل مراده بالذات، إِنما هو عدم ملابسته للإِثم، لا ملابسة أَخيه للإِثم، إِذ إرادة الإِثم من آخر، غير جائزة.