وقال الكوفييون: نفيهم؛ سجنهم … فيُنْفَى من سعة الدنيا إلى ضيقها.
حكى مكحول عن عمر قال: أحبسه حتى أعلم منه التوبة. ولا أنفيه من بلد إلى بلد فيؤذيَهُم.
قال القرطبي: والظاهر أَن الأرض في الآية هي أرض النازلة - أي مكان الجريمة - ثم قال:
ينبغي للإمام - إِذا كان هذا المحارب مخوف الجانب: يظن أَن يعود إلى حرابة، أَو إفساد - أَن يسجنه في البلد الذي يغرب إِليه. وإن كان غير مخوف الجانب، سرِّح.
قال ابن عطية: وهذا صريح مذهب مالك؛ أَن يغرب ويسجن حيث يغرب. وهذا على الأغلب في أنه مخوف. ورجحه الطبري؛ لأن نفيه من أَرض النازلة هو نص الآية، وسجنه بعد، بحسب الخوف منه.
فإن تاب وفهمت توبته، سرِّح.
٥ - لا يراعي في المال الذي يأخذه المحارب نصاب، كما يراعي في السارق.
وقيل: يراعى أن يكون ربع دينار. وهو نصاب القطع.
قال ابن العربي: قال الشافعي، وأَصحاب الرأي: لا يقطع من قطاع الطريق، إِلا مَنْ أَخذ قدر ما تقْطع فيه يدُ السارق.
وقال مالك: يُحْكم عليه بحكم المحارب. وهو الصحيح؛ لأن الله تعالى - وقّت على لسان نبيه القطع في السرقة، في ربع دينار. ولم يوقت في الحرابة شيئًا، بل ذكر جزاءَ المحارب، فاقتضى ذلك توفية الجزاء - على المحاربة - عن حقه.
ثم إن هذا قياس أصل على أَصل. وهو مختلفٌ فيه. وقياس أدنى على أعلى. وذلك عكس القياس وكيف يقاس المحارب على السارق، وهو يطلب خطف المال، فإن شعر به فرّ، حتى إن السارق إذا دخل بالسلاح يطلب المال، فإن منع منه، أو صِيح عليه وحارب عليه، فهو محارب: يُحْكم عليه بحكم الحارث.
قال القاضي ابن العربي: كنت في أيام حكمي بين الناس: إذا جاءَني أَحد بسارق - وقد دخل الدار بسكين يحبسه على قلب صاحب الدار وهو نائم، وأَصحابه يأخذون مال