قال الحسن: كانوا يأْكلون في مصر البقل والعدس والبصل، فحنُّوا إليه، أو ذلك مكرٌ منهم، فهم يحتالون بطلبه؛ ليعودوا إلى مصر، فإِنها تنبت ما طلبوا.
وقولهم لموسى: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾: تفوح منه رائحة مكرهم وخبثهم؛ لأَنهم -وهم في التيه- يعلمون أَنهم في صحراء: لا تنبت ما طلبوا، ولذلك لم يتجه سيدنا موسى إلى أَن يطلب من الله أَن يخرج لهم هذا النبات معجزة في أَرض الصحراء، ولو أَنهم طلبوا تغيير طعامهم -لملل من استمرارهم على طعام واحد- لما أَصابهم لوم وتأْنيب.
ولعل حكمة حبسهم في التيه، أَن يبعدوا عن الاتصال بأَهل مصر، حتى ينسوهم وينسوا عقيدتهم التي شاركوهم فيها، وعى عبادة العجل، ويتهأوا للطاعة والامثتال لما أَمرهم به موسى، من عبادة الله الواحد الديان.
وقد شرحنا في المفردات: البقل والقثاء والفوم.
وأَما العدس: فهو من الحبوب المعروفة بمصر، وكان طعاما محبوبا لبنى إِسرائيل وأَنبيائهم. والبصل: معروف بمصر وغيرها.
﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾: أَى قال لهم موسى مُتَعَجِّبًا من طلبهم: أَتستبدلون الطعام الذي هو أدني وأَقل قيمة، بالمن والسلوى الذي هو خير وأَلذ: فالباءُ في قوله: ﴿بِالَّذِي﴾ داخلة على الذي يريدون تركه، و هو المن والسلوى.
قال تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ المراد من الهبوط: مجرد الانتقال، فإِنه كما يقال على النزول من أَعلى إلى أَدنى، يقال أَيضا على مجرد الانتقال من مكان إلى آخر. ويجوز أَن يراعى المعنى الأَصلى: وهو النزول من أَعلى إِلى أدنى، بأَن يكون التيه أعلى مكانًا من المصر، أو أَن يراعى نزولهم من أَعلى إلى أَدنى في الرتبة، تبعا لطلبهم الأَدنى من الطعام، بدل أَرقاه وأَعلاه، قيل: و هو الأَنسب بالمقام.
والمصر: البلد العظيم، والمراد به أَى بلد زراعى من ريف الشام، حيث يتيسر فيه وجود ما طلبوا من الطعام، أَمرهم بذلك؛ لخلو الصحراءِ منه. وقيل المراد به: مصر فرعون. وسواءٌ أَكانوا في التيه