أم في المصر، فوجودهم في أَيهما، وجود هجرة وإِيواءٍ لا وجود تملك، فلا يكتسبون به حق انتزاعه من أهله العرب، كما يدعون.
﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾: معنى ضربت عليهم الذلة؛ أُحيطوا بها من كل جانب. مأْخوذ من ضرب القبة والخيمة، أَي: إِقامتها، فالذلة كأَنها محيطة بهم، إِحاطة الخيمة بمن ضربت عليه، أَو ألصقت بهم الذلة، مأْخوذ من ضرب الطين على الحائط، والذلة: الصغار والضمة، ويقابلها العزة والإِباء. والمسكنة هنا: فقر النفس.
والمعنى: أَنهم جبلوا على الصغار والخسة وفقر النفس، فقد تربوا عليها فى خدمة سادتهم أهل مصر، وصارت من طبعهم، فاستخدموها في كل زمان لنيل مآربهم الخبيثة.
﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾: أَى رجعوا به، أَو صاروا مستحقين له بسوءِ أَعمالهم.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: أَى ذلك الذي استحقوه -من ضرب الذلة والمسكنة وغضب الله- بسبب أَنهم كانوا يكفرون بآيات الله الكونية، والتنزيلية، -ومن جملتها: فلق البحر، وإظلال الغمام، وإِنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر- وإِخفاء آية الرجم، ونعت محمد في كتابهم. وبسبب أَنهم يقتلون الأَنبياءَ بغير حق، كما فعلوا بأَشعياءَ وزكريا ويحيى ﵈. وفائدة تقييد قتلهم بأنه بغير حق -مع أَن قتل الأَنبياءِ يستحيل أَن يكون بحق- للإيذان بأَنه عندهم فى دينهم كذلك، فهم فعلوه عمدا، معتقدين أَنهم يرتكبون إِثما فى دينهم، إِذ لم يروا منهم ما يقتضيه، وما حملهم عليه إِلا اتباع الهوى، والغلو في العصيان والاعتداء، كما يفصح عنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾: أَى ذلك الكفر منهم بآيات الله وقتلهم للأَنبياءِ بغير الحق -بسبب أَنهم درجوا على العصيان، ومداومة الاعتداءِ، ومجاوزة الحدود، حتى قست قلوبهم فاجترءُوا على الكفر بآيات الله، وقتل الأَنبياءِ. فإِن الاستمرار على صغار المعاصى، يؤَدى إلى الاجتراءِ على كبارها، كما أَن الاستمرار على الطاعات، يستتبع تحرى كبارها.
فلهذا ينبغى تخول الناس بالموعظة، ونهى العصاة عن المنكر، أَولا فأَولًا، حتى لا يصير عندهم -بطول الممارسة- مرضا يستعصى علاجه.