﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾:
أي: هلَّا قام أولئك العلماءُ بالنهي عن التسابق إلى ارتكاب المعاصي والانغماس في الشهوات؟!
والمراد من هذا الأسلوب، تحريض العلماءِ على القيام بهذا النهي، وتوبيخهم على تركه، وتعطيل وظيفة العلم.
وهذا يتضمن - بالنسبة لعلمائهم المقصرين - نعيًا على تقصيرهم في النهي والإِبلاع.
﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾:
أَي: إن استمرار العلماءِ على ترك النهي عن المنكر، أقبح ما صنعوه، وأجدره بالذم واللوم والإنكار.
ويحتمل أن العموم في (كَانُوا) فيعم اليهود جميعًا.
فعلى الأول المراد أَن الله سبحانه، أنكر على علماء أهل الكتاب، واستبعد منهم - عدمَ قيامهم بنَهْيِ المتسابقين إلى ارتكاب المعاصي والمحرمات.
وقد دل ذلك على أَن تارك النهي عن المنكر - ومرتكبه - في الذم سواءٌ.
بل إِن الذم على ترك النهي عن المعاصي، أَشد وأقوى؛ لأن الله تعالى، قال في ذم من يأتون المعاصي: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. وقال في ذم العلماءِ الذين لا ينهون عن المنكر: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.
والصنع أقوى من العمل؛ لأن الصنع عملُ الإِنسان، بعد التدرب عليه، والتروي في إتقانه، والتحري في إجادته، حتى يصير مستقرا في النفس، راسخا فيها.
وأيضًا كان الذم على ترك النهي عن المنكر أَشدَّ؛ لأن العالم يقوم بالنهي عن المنكر حِسْبة ابتغاء رضوان الله. فكان تركه أَقبحَ من إِتيان المعصية، لميل النفس إِلى فعلها، تحقيقا للَّذة الفانية، ولا كذلك الساكت على المعاصي، التارك لإنكارها. فكان - لذلك - جديرا بأبلغ الذم وأشد التوبيخ.
عن ابن عباس ﵁ هذه أشد آية في القرآن، أي: على تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.