والمراد بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾: من قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤْمن قلوبهم. بدليل نظمهم في سلك الكفرة، وبدليل قوله في آخر الآية: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فإن المقصود به طلب الإيمان من جميع مَنْ دُرِجُوا في الآية. وقد ذهب إلى هذا الرأى سفيان الثورى ﵁.
وقيل هم المتدينون بدين محمد - على الله عليه وسلم - مخلصين أو منافقين، واختاره القاضى، ولكن هذا الرأى يقتضى أَن يكون ﴿مَنْ آمَنَ﴾ بمعنى: من استمر على الإيمان -بالنسبة إلى المخلصين، وبمعنى: من أَحدث الإِيمان -بالنسبة إلى المنافقين وغيرهم من الكفار- فيكون الإيمان محمولا على معنيين مختلفين، وفيه خلاف بين العلماءِ والرأى الأول أَقل مؤْنة كما قال الآلوسى -يعنى بذلك أَنه لا تكلف فيه فيكون أَرجح.
والمراد بقوله: ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى﴾: اليهود والمسيحيون. فهؤُلاءِ وأُولئك مطلوب منهم الإِيمان بالله واليوم الآخر، لأَن إِيمانهم بهما كلا إيمان. فإيمانهم بالله مشوب باتخاذهم لله ولدا، ووصفه بأَوصاف البشر، وفيهم من وصفه بما يتنزه عنه كرام الناس، كالخطإِ فيما يصنع، والندم على الخطإِ. وكمصارعة الله للبشر طول الليل.
كما أَن إِيمانهم بالله مشوب بكفرهم بخاتم المرسلين محمد ﷺ ومن كفر برسول ربه فقد كفر بربه، كما أَن إِيمانهم باليوم الآخر -ليس على النحو المقرر في الشرائع السماوية الحقة.
وأَما الصابئون فهم أهل دين غامض. ولذا اختلف العلماءُ في بيانه، فمنهم من قال: هم قوم يقدسون الروحانيات ويتخذون لها وسائط يعبدونها، لتقربهم إليها، وقد انقسموا فيما يعبدون إِلى فرق: فرقة منهم تعبد السيارات من الكواكب، وأخرى تعبد الثوابت منها، وثالثة تعبد الأَوثان.
ونقل النويرى في جـ ١ من نهاية الأَرب. تحت عنوان -عُبَّاد الشمس- أَن عُبَّاد الشمس طائفة في الهند. وأَن مذهبهم هو مذهب الصابئة.
ونقل الآلوسى عن أَبى حنيفة أنهم ليسوا عبدة أَوثان، بل يعظمون النجوم. كما تعظمُ الكعبة.
نقول: ولعل الغرض من هذا التشبيه، أَنهم يجعلونها قبلة لهم لا معبودا. فهم يعظمونها تعظيم القبلة.