للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويمكن تأْويل الآية بمعنى آخر وهو ما يلي:

إن الذين آمنوا بالله إيمانا صادقا واليهود والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا هن هؤُلاءِ -وهم الأَولون- فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم من عقاب ولا هم يحزنون من فوت ثواب، أَما غيرهم ممن يدعون الإيمان فإِنهم معاقبون لكفرهم بالله واليوم الآخر، فإن إِيمانهم بالله مشوب بالشرك وشوائب النقص وإيمانهم بالآخرة مشوب بدعاوى كاذبة، فسقط هذا الإِيمان من حيِّز الاعتبار، إِذ لا فرق بينهم وبين المشركين، فهم مثلهم مؤْمنون بالله، ولكنهم كفار في جميع الأَديان -لشركهم- فأَى فرق بينهم وبين المشركين الذين حُكِمَ بكفرهم.

وعلى هذا التأْويل، لا تؤْخذ دعوة الطوائف غير المؤْمنة إلى الإيمان من هذا النص، بل من قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (١)

وقد أَساءَ فهم هذه الآية بعض الملحدين، فزعموا أَنه يمكن تحقيق الإيمان من هذه الفرق غير المسلمة، مع بقائها على دينها، وهذا الزعم باطل، لأَنها جميعا كَافرَة في نظر الإِسلام لما تقدم، لقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ" (٢)، وغير ذلك من النصوص.

وبما أن الإِيمان لا يتحقق إلا بالإِيمان بالله وجميع رسله وفيهم محمد لقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" (٣) فلهذا تحدد الإِيمان المطلوب في الآية وهو الإيمان بالدين الإِسلامى. فلابد من اعتناقه. وجمع بين الإِيمان بالله واليوم الآخر، لأَهمية الإِيمان باليوم الآخر في تثبيت دعائم الإيمان بالله وإتقان العمل الصالح، فلو لم يؤْمن المكلف باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاءٍ لما اهتم بالإِيمان بالله والعمل الصالح، فإِن النفس البشرية لا يوقظها من غفلتها إلا الجزاءُ، فالإيمان بالله واليوم الآخر هو أَساس العمل الصالح.


(١) الأنفال -من الآية: ٣٨
(٢) البينة -الآية: ٦
(٣) النساء -الآيتان: ١٥٠، ١٥١