والجواب: أنه قدم قصة الذبح أَولا، لأَمرين اقتضتهما بلاغة القرآن.
الأَول: عناية القرآن بتصوير مخالفتهم، وما تعودوه من عنت ومعارضة لنبيهم موسى، ليسجل عليهم حرصهم على العناد، ولو كان فيما طلبوه مصلحة لهم، وقصة الذبح ظاهرة في ذلك.
والثانى: أَن تقديم قصة الذبح، يهيئ النفوس لاستطلاع السبب، فيكون ذكر السبب -بعد ذلك- أوقع في النفس؛ لاستشرافها وتطلعها إلى معرفته.
على أَن القرآن الكريم -حين يذكر الحوادث أَو القصص- فإِن ذلك لمجرد العبرة بما فيها، دون اهتمام بالترتيب الزمنى، حيث لا يكون له شأْن في بيان الهدف المقصود من الآيات.
هذا، وللعناية بقصة البقرة وما فيها من العبرة، سميت هذه السورة الكبيرة باسمها.
* * *
ويمكن أَن تكون قصة الذبح مستقلة عن قصة النفس المقتولة، فهما قصتان بيانهما فيما يلى:
القصة الأُولى منهما: سيقت للإِيذان بأَن بني إسرائيل، كانوا لا يزالون على عهدهم، في تقديس البقرة التى كانوا يعبدونها هم وسادتهم المصريون، فلذا أمرهم الله تعالى بذبح بقرة، حتى يزيلوا من أَنفسهم عقيدة حبها وتقديسها؛ فإنهم كانوا لا يذبحونها ولا يأْكلون لحمها، فلما أمرهم بذبحها، تَلَكَّأُوا في تنفيذ ما أُمروا به، خوفا من ذبح ما كانوا يعبدون، فجعلوا يراوغون بالأَسئلة المتنوعة عنها، لعلهم يفلتون بالمراوغة من ذبحها. ولكن الله تعالى كان يجيبهم على أَسئلة المراوغة، بتحديد الأَوصاف التى طلبوا تحديدها، حتى لم يجدوا مفرًّا من ذبحها، فذبحوها وما كادوا يفعلون.
وبذلك زالت عقدة تقديسها من نفوسهم. ومما يساعد على هذا الفهم، عبادتهم العجل الذي صنعه لهم السامرى من حليهم. مع أَن الله وحده هو الذي نجاهم مما كانوا فيه. فحقه أن يعبد دون سواه.