وأما الثانية منهما: فهي خاصة بنفس قتلوها وجُهِلَ القاتل، فأرشدهم الله إلى أَن يضربوا المتهم ببعض نفس القتيل، وعلى هذا فمعنى قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ فقلنا اضربوا المتهم ببعض نفس القتيل فالضمير المؤَنث في قوله: "بِبَعْضِهَا" يعود على النفس المقتولة، فإذا كان المتهم هو القاتل، وضرب بجزءٍ من القتيل، فإنه ينهار ويعترف.
ذلك هو الغرض من التكليف بضربه ببعض النفس المقتولة.
ومعنى قوله: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ عَلى هذا الوجه: كذلك يحييها بالقصاص.
لكن الوجه الأَول الذي جَعَلَهُماَ قصة واحدة -أَظهر في فهم الآيات؛ لقوله في ختام موضوع القتيل: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فإنه يؤذن: بأَن ما تم في شأْن القتيل من الآيات المادية. التي تدل على قدرة الله تعالى بصفة عامة.
وقدرته على إحياءِ الموتى حقيقة وبعثهم بصفة خاصة. وذلك يستدعيه حال اليهود من شئون الله جل وعلا، فإِنهم لا يزالون متأَثرين بعقائد الشرك القديمة.
ولا شك أَن القرآن الكريم، عودنا أن يبرز لنا صورا حسية -من الآيات الواقعية-
على إمكان البعث، كما فى قصة أصحاب الكهف. وقصة الذى أَماته الله مائة عام ثم بعثه.
فقصة البقرة هذه منها. وليست عجيبة على قدرته تعالى. والله أَعلم.
وقد ذكرنا هذه المقدمة، قبل الشروع في تفسير الآية؛ لأنها تزيح ما عساه أَن يقع فى بعض الأَذهان، من تساؤل عن عكس ترتيب الوقائع.
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾: من عطف قصة على قصة بالواو، أَى واذكر يا محمد الوقت الذى قال فيه موسى لقومه. والأَمر هنا لكل من يصلح للخطاب، ليعرف ما كان عليه بنو إسرائيل من اللجاجة والعناد، والفرار من الرشاد ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ ليكون ذلك وسيلة إلى معرفة القاتل، وأَكد الخبر بلفظ (إنَّ) لما تعوده موسى