من معارضتهم وإِنكارهم. وتنكير لفظ ﴿بَقَرَةً﴾ يشير إلى أنهم لو ذبحوا أيَّة بقرة بعد الأمر لكفَتْهُم، ولكنهم -كعادتهم- شددوا بتكرار الأَسئلة، فشدد الله عليهم (١).
وقوله: ﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾؟ استئناف بيانى، كأَن سائلا قال:
ماذا قال بنو إسرائيل لموسى، بعد أَن أَمرهم بذبح البقرة؟ فكان الجواب: قالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ وهزُوًا: أَي سخرية، وهو بتقدير مضاف أَي: موضع هزو.
استبعدوا أن يكون ذبح البقرة له صلة بتبرئة المتهم بالقتل، فظنوا -لجهلهم- أنه يسخر بهم، فسأَلوه مستنكرين ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ وكان حقهم أَن يمتثلوا، ولا يقولوا ما قالوا. فقد عرفوا في رسولهم الجد في أَمره كله، ولاسيما ما ينقله لهم عن الله تعالى، ولكن غلب عليهم سفههم، وخفة أحلامهم، وجهلهم بعظمة الله تعالى.
﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ لأَن مثلى -وهو مكلف من الله بإرشادكم- لا يكون سفيها مستهزئا، فإن ذلك من شأْن الجاهلين، والمراد بالجاهلين هنا: الذين يضعون الشئَ في غير موضعه؛ قولا أَو فعلا.
﴿قَالُوا﴾ لموسى -بعد أن عرفوا من جوابه عين الجد-: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ ظاهر قولهم: ما هى؟ أنهم يسأَلون عن حقيقة البقرة. ولكن هذا الظاهر غير مقصود؛ فإِنهم لا يجهلون حقيقتها، فمرادهم السؤَال عن صفتها، حتى يعينوا المطلوب ذبحه من نوعها.
وكما يسأَل بما عن الحقيقة، يسأَل بها أَيضًا عن الصفة، وتقول: ما زيد، فيقال عالم أو طبيب.
(١) وموضوع قصة البقرة، موجود عندهم فى التوراة، فى الإصحاح الحادى والعشرين من سفر التثنية، وطريقة التبرئة فيها: أن يذبحوا عجلة، وأن يأتى كل منهم ويغسل يديه على جسمها، ويتبرأ من التهمة، فإن كان بريئًا سلم، وإلا أصابه الله بعقوبة الكذاب.