كرروا سؤَالهم الأول لطلب الاستكشاف الزائد، وبينوا علة التكرار بقولهم: ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾: لاشتراك كثير من البقر فيما ذكر من الصفات، وقولهم بعد هذا: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾: فيه تخفيف لصورة عنادهم، وإتيانهم بالمشيئة لتحسين الظن بهم.
وفي الحديث:"لو لم يستثنوا -أَى بقولهم إن شاءَ الله- لما بينت لهم صفتها إلى آخر الأَبد" أَخرجه ابن أَبي حاتم عن أَبي هريرة مرفوعا موصولا وابن جرير عن ابن عباس مرفوعا معضلا وغيرهما.
وقولهم: ﴿لَمُهْتَدُونَ﴾: أَى إلى المطلوب ذبحه منها، أَو إلى معرفة القاتل بسببها. وقد أَجابهم سيدنا موسى بما حكاه لهم عن ربهم بقوله:
أَى غير ميسرة لحرْث الأَرض، وسقْى الزرع، فَلفظ ﴿لَا﴾ بمعنى: غير. ومعنى ﴿مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا﴾: أَى سلَّمها الله من العيوب. ومعنى ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾: لا لون فيها يخالف جلدها الأَصفر، والشية في الأَصل، مصدر: وَشَاهُ يَشِيه وَشْيًا وشِيَةً، إذا خلط لونه بلون آخر.
وإلى هنا عينت البقرة بأَوصافها تعيينا تامًّا، فانقطعت أَسئلة الاستفهام.
فماذا كان موقف السائلين من بني إسرائيل؟
الجواب في قوله تعالى: ﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾: أي جئت بحقيقة وصف البقرة، ولا وجه لنا في طلب الإِيضاح بعد ذلك.
﴿فَذَبَحُوهَا﴾: أي فجاءُوا بالبقرة الموصوفة، فذبحوها.
وقوله: ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾: معناه؛ وما قاربوا أَن يفعلوا الذبح. والمقصود منه المبالغة فى تباطئهم، وتعمدهم إطالة الزمن، بكثرة المراجعات في وصف البقرة.
ولعل إكثارهم من المراجعات في أَوصافها؛ لغرض الوصول إلى تعيين وصف يتعذر وجوده في أَبقارهم، فيعفون من ذبح البقرة التى ستكشف لهم الجانى، سترا لفَضيحته