ثم إِلى مالك أَمرهم رجوعهم بالبعث بعد الموت. فيخبرهم ويجزيهم بما كانوا يعملونه باختيارهم: من طاعة أَو معصية. وفقا لما تأَثرت به نفوسهم، وكسبته أَيديهم من دواعى هذه الأَعمال.
وقد دلت الآية الكريمة، على أَن الأَعمال تظهر لبعض الناس في الدنيا بغير صورتها الحقيقية: التي تكون لها في الآخرة.
فالكفر والمعاصي - مع كونها سموما قبيحة قاتلة، شائهة - تبدو في الدنيا، بصورة تستحسنها نفوس الكفرة والعصاة.
والإيمان والطاعات، تظهر لديهم فيها على العكس من ذلك.
ولذا قال ﷺ:"حُفَّتِ الجنَّةُ بالْمَكارِهِ. وحفَّتِ النارُ بالشَّهَوَاتِ".
فإِذا بعثوا يوم القيامة عَرَّفهم الله الأَعمال بحقائقها، وجزاهم على تقصيرهم. وهذا هو قوله سبحانه: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
سبب نزولها - على ما ذكره القُرَظِىُّ وغيره - أَن قريشا قالت: يا محمد، تخبرنا أن موسى ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وأَن عيسى كان يُحْيِى الموتى وأَن ثمود كانت لهم ناقة .. فائتنا ببعض هذه الآيات حتى نُصدقك. فقال:"أَىُّ شيءٍ تحبون"؟ قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا. فوالله، إِن فعلت لنتبعنك أَجمعون. فقام رسول الله ﷺ يدعو. فجاءَه جبريل فقال:"إِن شِئْتَ أَصبح ذهبا: ولئن أَرسل الله آية ولم يصدقوا عندها، ليعذبنهم، فاتركهم حتى يتوبَ تائبهم .. ".
فقال رسول الله ﷺ:"بل يتوب تائبهم" فنزلت هذه الآية. وجَهْدُ اليمين: أَشَدُّها، وغايتها التي بلغها علمهم، وانتهت إِليها طاقتهم وقدرتهم.