للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ﴾: أَى يتشقق. ﴿فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾: أَى ماء العيون.

والتفجر أَقوى من التشقق، لأَن الأَول ناشئ عن ضغط بالغ منتهى القوة، بسبب كثرة الماء، وشدة ضغطه. ولذا، خرجت بالتفجر الأَنهار، وأَما التشقق، فناشئ عن ضغط يسير للماء. فلذا، خرجت به مياه العيون.

وقد أَشارت الآية الكريمة إِلى ذلك كله.

﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾: أَي يتردّى من أَعلى إلى أَسفل، من أَجل الخوف من الله. وقد جعل الله لهذا الهبوط ضوابط، فالشهب والنيازك والرجم تهبط من السماء إلى الأَرض، بموجب قانون الجاذبية. الذي جعله الله للأَرض، والحجر الذي تتركه -من يدك- -وأَنت فى شرفة منزلك- يهبط إلى الأَرض، بموجب هذا القانون، وليس المراد من الهبوط حقيقته، و هى النزول من أَعلى إلى أَسفل فقط، بل هو مجاز عن انقياد الحجارة لأَمر الله وقوانينه، كما قاله أَبو السعود، فيشمل ذلك تشققها وتحطمها، وتأَثرها بأَى سبب جعله الله لذلك.

وإذا كانت الحجارة تتأَثر إلى هذا الحد في الانقياد لأَمر الله، وقلوبهم لا تتأَثر، فتكون أَشد منها قسوة ولا محالة.

وحمل بعضهم الآية على الحقيقة قائلا: لا مانع من أَن يخلق الله في الحجارة إدراكا وخشية من الله -تعالى-.

ويستدل لهذا الرأْى بحديث صحيح عنه : "إنِّى لأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ (١) ".

وما صح من أَنه ما مر بحجر ولا مدر إلا سلَّم عليه (٢).


(١) مختصر صحيح مسلم رقم ١٥٢٨
(٢) مجمع الزوائد: ٨/ ٢٦٠ الطبرانى فى الأوسط عن على.