لكنهم- عندما جاءهم ما عرفوا- كفروا به؛ لما أنطوت عليهَ نفوسهم من الخبث، وسوء السريرة، ولما جبلوا عليه من سوء السيرة؛ ولهذا حكى الله فيما مضى مساوئهم، ونعى عليهم جناياتهم، وذكر أن قلوبهم قاسية، كالحجارة أو أشد قسوة، ورتب على ذلك إقناط المؤمنين من ايمانهم، ونهيه لهم عن الطمع فيه فقال:
﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾: وهم الأحبار والرهبان.
﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾: أي يسمعون التوراة، ثم يتعمدون تحريف ما فيها، مما لا يوافق أَغراضهم، ولا يتمشى مع أهوائهم، من بعد ما فهموها، فَقُدَماؤُهُمْ حرفوها بتحليل الحرام، وتحريم الحلال، كما قاله مجاهد.
ومعاصروهم للنبى- ﷺ حرفوها بتغيير نعت النبي ﷺ وتبديل آية الرجم، وغير ذلك، حتى يحتفظوا لأنفسهم بالزعامة الدينية: يفعلون ذلك ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾: أي فهموه حق الفهم، دون أن تكون لهم شبهة فيما حرفوه، ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم مبطلون كاذبون. أَو معناه: وهم يذكرون من غير نسيان، فهم - في جريمتهم هذه - عامدون مصرون. وإِذا كان أمرهم كذلك، فلا تطمعوا في إِيمانهم، فلا يؤمن من. ضاعت أمانته، وخبثت سريرته، واجترأَ على كلام الله بالتحريف مع العمد والإصرار.
فجملة ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾: حال مؤَكدة لاستهجان قبح ما اجترأوا عليه من التحريف. والتعبير باللام في قوله ﴿لَكُمْ﴾: لتضمين الكلام معنى الاستجابة فكأنه قيل: أفتطمعرن أَن يؤمنوا مستجيبين لكم.
ثم عقب الله اتصافهم بالخيانة العلمية، باتصافهم بالنفاق في الإيمان فقال: