ومن العلماءِ من قال: إِن هذا حق في المال سوى الزكاة، أَمر الله به ندبا بمكة.
وعلى هذا جَمْع منهم: عطاءُ، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ﵃.
فالآية مكية كباقي السورة.
أَما الزكاة في الثمار والحبوب، فقد فرضت في المدينة. وقد بين ذلك في السور المدنية، وفي أَحاديث الرسول ﷺ، حيث ذكرت فيها أصناف الزَّكَوِيَّاتِ، والنصاب الذي تجب فيه الزكاة، ومقدار الزكاة.
ولكنا نرجح الرأى الأَول، وهو أَن الآية مدنية، لأَن مكة ليس فيها جنات معروشات وغير معروشات، وليس فيها زرع، وإِنما ذلك في المدينة.
﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾: أَي لا تتجاوزوا الحد فتبسطوا أيديَكم في الإِعطاءِ وقال زيد بن أَسلم: هو خطاب للولاة.
أَي: لا تأْخذوا فوق حقكم، وما لا يجب على الناس.
وقال إِياس بن معاوية: ما جاوزتَ به أَمر الله، فهو سرف وإِسراف، يعني أَن هذا هو خطاب للمزكِّى: أَنه لا يزيد على ما فرضه الله في الزكاة. لكن مجاهدا حمل الإِسراف في الآية على الإِنْفاقِ في المعصية. فقال: لو كان أَبو قبيس ذهبا فأَنْفَقَهُ في طاعة الله لم يكن مسرفا. ولو أَنفق درهما أَو مُدًّا في معصية - كان مسرفا.
غير أَن هذا الرأْى ضعيف.
يردُّه ما روى عن ابن عباس ﵄، أَن ثابت بن قيس بن شماس عَمَدَ إِلى خمسمائة نخلة فجزَّها ثم قسمها في يوم واحد، ولم يترك لأَهله شيئا فنزلت ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾.
وروى مثله ابن جرير وابن أَبي حاتم عن ابن جريج.
والذى ينبغي الاعتماد عليه: أَن التوسط في الإِنفاق هو الأَفضل .. وهذا متفق مع قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ … ﴾ (١).