للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد دل قوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ على أنه لم يبق جانب من قلبه ولسانه وجوارحه إلا اشتملت عليه سيئته وخطيئته، واستولت عليه. وهذا لا يتحقق إِلا فى الكافر.

ولذلك فسر علماءُ السلف: السيئة والخطيئة في الآية بالكفر. وقد روى ذلكَ عن ابن عباس وأبى هريرة، ومجاهد وعطاءٍ وغيرهم.

ويشهد لهذا: أن الجزاءَ عليهما هو الخلود في النار، كما نص عليه قوله تعالي: ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

كما آذن به تعقيب هذه الآية بثواب المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

وبهذا التأْويل. لا يحتج بالآية على خلود أصحاب الكبيرة في النار.

وفى الآية تحذير شديد. من ارتكاب السيئات، فانها تؤدى إلى التمادى فيها، فلا يبالي صاحبها بالكفر، فعلى من يرتكب سيئة أَن يبادر بالتوبة منها، فإن من لم يبادر بها، أَحاطت الخطيئة بقلبه، فاصبح مظلمًا لا ينفذ إليه النور، فيكفر، والعياذ بالله تعالى.

قال "إن العبد إذا أذنب ذنبًا نُكِتَتْ في قلبه نُكْتةً سوداءُ.

فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلوَ قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله -تعالى- في القرآن: "كلا بَلْ (١) رَانَ عَلَى قُلوبِهِمْ ما كَانُوا يَكْسِبُونَ" (٢).

وفي هذه الحالة تحيط به الخطايا، كأنه محبوس فيها لايجد لنفسه منها مخرجا.

وجريا على سنة القرآن في ذكر الوعيد مقرونا بالوعد، ترهيبا وترغيبا، أردف ذلك الوعيد ببيان في جزاءِ المؤمنين الصادقين في الإيمان، ليظهر الفرق بين الاشقياءِ والسعداءِ، فقال سبحانه:

٨٢ - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

أَي والذين جمعوا بين الإيمان الصحبح، ومايترتب عليه من أَعمال صالحة؛ أولئك هم أصحاب الجنة الجديرون بدخولها، بحسب وعدالله وفضله. هم فيها خالدون: منعمون بكل ما يشتهون.


(١) السين للسكتة فى التلاوة وسط الكلام.
(٢) سورة المطففين: الآية ١٤؛ والحديث رواه أحمد والترمذى والحاكم والنسائى وغيرهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>