ولو كان الأمر كذلك، لقيل: خذوا ثيابكم، أَو استروا سوءَاتكم عند كل مسجد.
وبما أنه طلب في الآية أَخْذَ الزينة، فذلك أَمر تَجاوَزَ طلبَ السترِ، إِلى ما هو أكمل منه، وهو التجمُّل … فمن تجمّل بالثياب فقد ستر عورته وزاد التجمل …
﴿مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾:
هنا، أكثر علم الصحة والاقتصاد، ملخصا موجزا في بضع كلمات ....
والمعنى: وكلوا واشربوا ما طاب لكم، ولا تسرفوا بالتعدى إِلى الحرام، أَو بتحريم الحلال. أو الإفراط فيه. إن الله لا يحب المسرفين.
قيل: كان أَهل الجاهلية: يحرمون الدسم وما زاد على القوت الضرورى، أيام حجّهم تعظيما له - فنزلت هذه الآية، لإباحة ذلك، والنهي عن الإسراف.
والظاهر: أن الآية قاعدة عامة، تتناول الحجَّ وغيره. نزلت ناهية عن الإفراط والشرَه، في الطعام والشراب، فإن في ذلك أضرارا كثيرة.
أَخرج أبو نعيم، عن عمر بن الخطاب ﵁: قال: "إِيَّاكم والبطنة من الطعام والشراب، فإنها مَفْسَدة للجسد، مورثة للسَّقَم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أَصلح للجسد وأَبْعَدُ عَن المسرف، وإِن الله ليبغض الحبر السمين. وإِن الرجل لن يهلك، حتى يؤثر شهوته على دينه".
وإِنما يكره الله الحبر السمين، لأَن المطلوب من أهل العلم، التقلل في الطعام والشراب وإيثار الآخرة على الدنيا، وطلب السلامة للجسد.
أما العالِم المسرف في طعامه وشرابه، المستكثر من الدسم، فهو مؤْثر لشهوة بطنه، مهتم بدنياه عن آخرته. فلذا يكرهه الله تعالى، لأَنه بذلك أسوأُ قدوة لغيره.
ولعل الغرض: أَن الله يكره له ذلك، لا أَنه يبغضه فعلا، فإن الله لا يبغض سوى أَهل المعاصي.
وقد أجمع الأَطباءُ - قديما وحديثا - على أَن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواءِ، وأن الدواء قلَّما ينفع مع عدم الحمّية. وكثيرا ما اعتمد حكماءُ الهند على حمية المريض أَياما، فَيَصِحُّ جسمه بدون علاج آخر.