والمقصود منه: نهيهم عن عبادتهم لغيره تعالى، فهو نفى بمعنى النهى، أي لا تعبدوا غيره تعالى، وهذا نظير قولك لشخص: تذهب إلى فلان وتقول له كذا، فهو بمعنى: اذهب إليه وقل له كذا، وهو أبلغ من صريح النهى، لما فيه من الإيذان بأنه ينبغى أن يسارع المنهى إلى الامتثال، حتى يخبر عنه بأنه امتثل فعلا، وانصَ عما نهى عنه.
والميثاق - بالتوحيد وغيره من العقائد وأمهات الشرائع والأخلاق - مأخوذ على جميع الأمم، كما أُخذ على بني إسرائيل، فلا خلاف بينها إلا في فروع الشرائع.، فإنها تختلف تبعًا للزمان والأَجيال؛ رعاية لمصلحة البشر، بحسب التطور الإنسانى.
والمراد من أَخذ الله الميثاق عليهم بالأُمور الآتية: توصيتهم بالعمل بها توصية مؤكدة في التوراة التي أنزلها على موسى ﵇ ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾: وأَخذ الله عليهم العهد أَيضًا: بأَن يحسنوا إلى الوالدين وهذا الإحسان المأْمور به عامّ: يدخل فيه جميع مايجب لها من أنواع الرعاية والعناية، وقد قرن الله ﷾ الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالأمر بعبادته؛ لما الوالدين من الفضل الكبير على الولد؛ لأنهما بَذَلَا الكثير من العنابة الصادقة في تربيته والقيام بشئونه، أيام أن كان ضعيفًا عاجزَا، وكفلاه حتى قدر على الاستقلال، والقيام، بشئون نفسه، مع الحنان العظيم، لا يبغيان من وراء ذلك أَية مصلحة تعود عليهما، فهما أحق بالعناية والرعاية، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وتنكير الإحسان في قوله: ﴿إِحسَانًا﴾؛ للإيذان بتعميمه، وإِبلاغه، إلى أَقصى مداه.
﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾: أي وأوصيناهم بالإحسان كذلك إلى ذوى القربى، وهم: مَن تكون بينهم وبين الإنسان صلة قرابة من جهة الأب أو إلاَّم، والإحسان إليهم هو: القيام بما يحتاجون إليه بقدر الطاقة، وذلك تقوية للروابط بين الأقارب ولأن من لا خير فيه لذوي قرابته فلا خير يرجى منه لغيرهم.
﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾: أي وأخذ عليهم الميثاق أيضًا: بالإحسان إلى اليتامى والمساكين.