والعرش لغة: سرير الملك، ويكنى به عن العزّ والسلطان والملك، فيقال: الملِك (فلان) ثُلَّ عرشه، أي ذهب عزّه وملكه. وأنشدوا لهذا قول الشاعر:
إِذا ما بَنُوا مروان ثُلَّتْ عروشُهم … وأوْدَت كما أودت إِياد وحِمْيَرٌ
أي: زال ملكهم ..
ومعنى الاستواء: الاستيلاء، كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق … من غير سيفٍ ودم مُهْرَاق
أي ثُمَّ - بعد تمام الخلق - استولى على الملك والسلطان بلا شريك.
والتعبير (بثم) لإفادة رفعة منزلة الاستيلاءِ على سلطان هذا الكون. وليست للترتيب الزمانى مع التراخى، فإنه لا مهلة بين خلق الكون واستيلائه تعالى على سلطانه فيه.
فهو الذي خلقه. وسلطانه عليه منذ البداية إِلى أَن تمَّ خلقه.
والجديد الذي أفادته هذه الجملة: أَنها بيَّنت أنَّ أَمر الكون - بعد تمامه - إليه تعالى كأَمره عند بدايته: لا يشركه في ذلك أحد. وأَن تدبيره، إليه - وحده -.
ولذا، قال - تعالى - عقب ذلك:
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾:
إلى آخر ما ذكر في الآية من شئون تدبيره.
فكأَنه قيل: واستولى ﷾ على سلطان الكون وحده، ليدير شئونه التي منها: أنه يغشى الليل النهار .. الخ.
ومن العلماء من قال: إن العرش جسم محيط بسائر الأَجسام سمّى به، لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك .. ومنه تتنزل أوامرُ اللهِ في شئون الكون، دون أَن يكون الله فيه لاستحالة ذلك عقلا.
والاستواء - على هذا أَيضا - بمعنى الاستيلاءِ. وأضاف الاستيلاءَ إلى العرش وحده - مع أنه تعالى مستولٍ على جميع المخلوقات - لأَن من استولى عليه - وهو أَعظمُها - فهو مستولٍ على سواها من باب أَولى.