للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكأَنه قال: ثم استولى على الكون كلِّه ..

وذلك مثل قولك: استولى عمر بن الخطاب على عرش الفرس .. فذلك كناية عن استيلائه على جميع بلاد الفرس.

ومنهم من فسَّر العرش بهذا المعنى، وتوقف في معنى الاستواء. وأحال العلم - بحقيقته - إِلى الله تعالى.

وعلى هذا الرأْى: جعفر الصادق، والحسن، وأبو حنيفة، ومالك .

روى عنهم: الاستواء معلوم. والكيف مجهول. والإيمان به واجب. والجحود كفر.

والسؤال عنه بدعة ..

أَمَّا تفسير العرش بالسرير، والاستواءِ بالاستقرار - كما يقول المشبِّهة - فهو باطل وكفر.

لأنه - تعالى - كان قبل العرش ولا مكان. وهو الآن كما كان، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (١).

﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾:

أصل معنى يغشى الليل النهار: يغطِّى اللهُ النهارَ بالليل.

وبمَا أَنَّ التغطية تقتضى اجتماع الغطاء والمغطى وجودًا - وذلك لا يتصوّر هنا - لأن النهار أُزيل - تماما - عن السطح الَّذى حلَّ فيه الليل، فضلا عن أن التغطية إِنما تكون للأجسام.

والليل والنهار ليسا منها - فلذا تكون التغطية مستعارة للإِزالة، لما في كل من الإِخفاء.

فالمعنى المراد لقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ يزيل الله ضياءَ النهار بظلام الليل.

﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾: أي يطلب الليل النهار سريعا، فالحثيث السريع، ومنه ولَّى حثيثا - أي مسرعًا - والمراد أنه يأْتى عقبه ويحل محلّه، بسرعة وبغير مهلة.

وإِنما وصف طلبه له بالسرعة، لأنه ناشئٌ من دوران الأَرض بسرعة حول نفسها في دورانها حول الشمس. وهي كروية. ففي كل ثانية يختفى الضوءُ عن جزء منها، ليحلَّ فيه الليلُ بدل النهار فورا، ولم يذكر العكس للعلم به، أو لأن اللفظ يحتملهما.


(١) سورة الشورى، من الآية: ١١