ومما أخذ الله به الميثاق على اليهود، وفرضه عليهم في كتابهم، ما حكاه بقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ وإقامة الصلاه: أداؤُها تامة مستوفية الشرائط والأَركان. وإيتاءُ الزكاة: إعطاؤُها لمستحقيها.
والصلاة التى أُمر بنو إسرائيل بإقامتها، والزكاة التى أُمروا بإتيانها هما: الصلاة والزكاة المشروعتان في ديانتهم.
وقد ذكر ذلك كله، ليعقب عليه: أنهم أعرضوا عما أخذ عليهم الميثاق بأدائه، كما سيجيءُ؛ حتى يعلم المؤمنون أَن نقض اليهود لمواثيق الله مرض قديم فيهم، فلا ينبغى للمؤمنين. أَن يطمعوا في إيمانهم.
ومع أن اقامة الصلاة وإِبتاء الزكاة؛ داخلان في عبادة الله التي أخذ بها الميثاق على بني إسرائيل، فإنه-تعالى- أَفردهما بالذكر- بعد الإحسان إلى الوالدبن والأقربين وأَصحاب الحاجات- لعظم شأْن- هاتين العبادتين، ولما للصلاةْ من الأثر اكبير في تربية النفس، والنهي عن الفحشاء والمنكر، والخشوع لعظمة الله، ولما في الزكاة من تخفيف ويلات الفقر والبؤْس عن المحتاجين، وحسن الصلة بالمجتمع عن طريق الإحسان. إليه.
هذا هو الميثاق الذي أَخذه الله على بني إسرائيل في التوراة، فماذا كان من شأْنهم؟
هل التزموا العمل بهذا الميثاق؟ إنهم لم يلتزموه، وكانت حالهم كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾: فقد أفصحت الآية عما كان من أكثرهم- بعد أَخذ الميثاق عليهم، بما فيه خيرهم وسعادتهم- وهو أنهم تولوا عن العمل به، وهم معرضون غير مكترثين بما يترتب على اعراضهم ..
أَما القليلون منهم فإنهم التزموا العمل بالميثاق، وحافظوا على تنفيذه، وهم المخلصون
في إيمانهم من أسلافهم- قبل أن تنسخ شريعتهم بالإسلام- ومن آمن منهم بمحمد-
ﷺ وحافظ على هذا الميثاق الموجود في سائر الأديان، كعبد الله بن سلام،
وزيد بت سعنة. وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ لتأكيد توليهم، أَي ثم توليتم وأَعرضتم عن تنفيذ هذا الميثاق، وأَنتم قوم عادتكم التولي والإعراض عن المواثيق، وهي عادة ورثتموها عن آبائكم، ويؤخذ كونه عادة لهم من الجملة الإسمية الدالة على الثبوت. ﴿وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾.