للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوم ثمود: من ولد ثمود بن جَائِر بن أرم بن سام. وكانت مساكنُهم بالحِجْر، بين الحجاز والشام. وكانوا عربا بعد عاد. وقد كثُروا وعَتَوْا وعبدوا غير الله. فبعث اللهُ إليهم صالحا ليهديهم سواءَ السَّبيل. وكان واحدا من أَشرافهم. ولذا قال: ﴿أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ فقالوا له: يا صالحُ قد كنتَ فينا مرجوًّا قبل هذا … أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤُنا؟ وكان في القوم بنَّاءُون مهرة، فكانوا ينحتون من الجبال أَحجارا، ويتخذون منها بيوتا، وكانوا في سعة من معايشهم.

فلم يزل صالح يدعوهم .. فم يؤْمن به إلا قليلٌ منهم من المستضعفين. فلما ألحَّ عليهم بالتخويف والإِنذار، طلبوا منه آية تشهد له بأَنه مرسل من عند الله تعالى. فقال لهم: أيّة آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إِلى عيدنا، في يوم معلوم لهم من السنة، فتدعو إلهك وندعوا آلهتَنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإِن استجيب لنا اتبعتنا. فوافقهم صالح. فلما خرجوا في عيدهم، دَعَوْا أَوثانهم فلم تستجب لهم. فأشار رئيسُهم إِلى صخرةٍ وقال لصالح: أخرج لنا ناقةً - وذَكَرَ أَوْصَافَها - فإن فعلتَ صدقناك. فأَخذ عليهم العهود بذلك. ثم صّلى ودعا الله، فتمخضتِ الصخرةُ عن ناقة حسب الأوصاف التي أَرادوها، فقال لهم صالح:

﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ وإِضافة الناقة إلى اللهِ لتعظيمها، ولأنها جاءِتهم من عنده - سبحانه - بلا وسائط وأَسباب معهودة. ولذا كانت آية.

وكان من عظم جسمها وعجيب أَمرها، أَنها إذا وضعت فمَها في الماء شربته كله. فلذا جُعِلَ لها يوم تختص فيه بشرب الماء، ولهم يوم آخر لا تشاركهم في شربه.

وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ (١) وكانت تعطيهم لبنا بدل الماء في اليوم الذي تختص فيه بالماء، فيشربون ويدخرون.

فآمن بـ "صالح" جماعةٌ، بعد ظهور هذه الآية، وكفر به آخرون.


(١) سورة الشعراء، من الآية: ١٥٥