أي فاتركوها تأَكل العشب في أرض الله، فإن الناقة ناقة الله، والأرض أَرضه - سبحانه -. فليس لكم أن تحولوا بينها وبين رزقها في أَرض الله، ولا أن تتعرضوا لها بشئٍ يسوءُها، كمنعها الماء والمرعى، وغير ذلك من أنواع الإيذاءٍ، اتقاءَ أَن يأْخذكم عذاب شديد الإيلام، بسبب إِهانتكم لآية الله.
أَي وتذكروا فضل ربكم عليكم، حين جعلكم خلفاءَ له في الأرض من بعد عاد، أو خلفاءَ لهم من بعدهم في أرضهم، وجعل لكم في أرض الحِجْر - بين الحجاز والشام - منازل أَنزلكم فيها، وبوَّأَكم في مباءاتها ومنازلها.
والمعنى: ومَكَّنَكُم اللهُ من الأرض، بحيث تبنون من سهولها قصورا، وتنحتون الجبال بيوتا.
أَمَّا بناؤهم من سهولها قصورا، فمعناه: أَن يُحوَّلُوا السهول إِلى مدائن ذات قصور رفيعة البنيان، ممَّا يجلبون إليها من مواد البناءِ، أو أن يجعلوا نفس السهول موادًا للبناءِ، كالآجر وطين اللصق، وكثير ذلك.
وأَمَّا نحتُهم الجبالَ بيوتا، فالمراد منه: اتخاذهم من حجارتها المنحوتة - أَي المنجورة المسوّاة - بيوتا، بوضع بعضها فوق بعض، بطريقة هندسية، يستمسك بها البناءُ ولا يتصدع.
وهذه النعمة التي يمنّ الله بها عليهم، تدل على أَنهم بلغوا في فن العمارة والحضارة شأْوا بعيدا، في هذا العهد الضارب في القدم، المتوغل في أَوائل البشرية.، حيث كانت البشربة تغطُّ في نومٍ عميق.
وتلك تعمة تُوجِبُ على "ثمود" أَن تذكرها لله فتشكره عليها.