ومن الإخراج: أن يكونوا سببا فيه، كما حدث من اليهود في خيانتهم لعهودهم مع المسلمين، إذ كانت خيانتهم لهم، سببا في إخراجهم من ديارهم حول المدينة عقايا لهم.
﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾: ثم أنتم -أيها المعاصرون للنبى ﷺ قد أقررتم بهذا الميثاق، واعترفتم بلزوم العمل بمقتضاه، وأنتم تشهدون على أنفسكم باعترافكم به، ولزوم العمل بمفتضاه، وذلك مثل قولك: أقر فلان بكذا شاهدًا على نفسه.
أو المعنى: وأنتم تشهدون اليوم على أسلافكم: أنهم أقروا بهذا الميثاق.
وسواءٌ أكان المعنى هذا، أم ذاك، فإنه يقتضى أَن يعمل اليهود المعاصرون للرسول، بالميثاق الذي أخذه الله على اليهود في كتابهم، حيث إنهم معترفون به، زاعمون أنهم متمسكون بالتوراة.
وهذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون وما يعترفون به، لا من باب أن التوراة لا يزالون مكلفين باتباعها، فقد نسخت بالقرآن.
وقد تضمن هذا الميثاق أربعة أمور تعتبر أساسا لمجتمع فاضل، يسوده السلامِ والطمأنينة، والعدالة والمودة والرحمة: ألا يسفك بعضهم دم بعض، وألا يخرجه من داره، وألا يتظاهر عليه بالإثم والعدوان، وأن يفتديه إذا أُسر. ولكنهم لم يعملوا بهذا الميثاق، كما تحدثت به الآية الكريمة، إذ تقول:
وقوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾: خطاب خاص باليهود المعاصرين للرسول، فيه توبيخ شديد لهم واستنكار واستبعادٌ قوىّ. لما ارتكبوه بعد إقرارهم الميثاق، وشهادتهم عليه. و ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ، و ﴿هَؤُلَاءِ﴾: خبره. ومناط الإفادة اختلاف الصفات، وإن اتحدت الذات، إِذ المعنى: ثم أنتم- بعد ذلك الميثاق والإقرار والشهادة- هؤُلاءِ] المشاهدون الناقضون المتناقضون، كما تعرب عنه الجمل الآتية:
﴿تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ … ﴾ إلخ، فإنها بيان للخبر، وتفصيل لأحوالهم المدرجة تحت إسم الإشارة ضمنا ة كأنهم قالوا: كيف نحن؛ فقيل: تقتلون أنفسكم، وذلك يشبه قولك: أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا وكذا.