بعصاك الحجر ليخرج منه الماء لهم، فضربه فورًا بعصاه كما أَمره ربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بقدرة الله تعالى، لكل سبط من أَسباطهم عين خاصة بهم، عرفوها بذاتها حتى لا يختلفوا على مائهم.
ويفهم من ذلك أَن كل سبط منهم كان عدد أَفراده كثيرًا، حتى جعل لهم هذا العدد من العيون بعدد أَسباطهم.
وقد أَباح الله لموسى أَن يختار أَىَّ عصا ليضرب بها، وأَى حجر ليضربه بالعصا التي يختارها، فلم يعين له هذا ولا تلك، قال الحسن: ما كان إِلا حجرا اعترضه، وإِلا عصا أَخذها، ولعل الله تعالى أَراد بتكليف موسى ﵇ بضرب الحجر بعصاه، ليكون خروج الماء بذلك معجزة له، حتى يزدادوا بنبوته استيقانا، ويقبلوا على العمل بما جاء به من التوراة، فلقد كان إِيمانهم ضعيفًا، ولذا عبدوا العجل وطلبوا من موسى أَن يرحمهم الله جهرة.
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾: كانت حال بنى إِسرائيل في التيه سيئة، فإِن صحراءَ التيه كانت عديمة الشجر مفقودة الظلال، فلذلك كانوا في أَشد الحاجة إِلى ما يقيهم حرارة الشمس التي يزيدها اتقادًا انعكاسها على رمال الصحراء.
ولقد تفضل الله فأَزال متاعبهم من جهة الماءِ بتفجير تلك العيون التي مر بيانها، ومن جهة الحر بأَن جعل الغمام يلقى ظلاله عليهم، ويقيهم حرارة الشمس، حيث أَرسل السحاب فوقهم في مقامهم ومسيرهم، فحال دون وصول أَشعة الشمس إِلى حيث يقيمون أَو يسيرون، وبقيت مشكلة الغذاءِ الذي لا مصدر له في التيه ولا يصل إِليهم به أَحد، فتفضل الله عليهم بإِنزال المن والسلوى ليكونا طعامًا لهم. أَما السنن فهو صمغة حلوة تشبه البرَدَ في منظره (١)، والشهد في حلاوته، ويسمى الترنجين، وأَما السمانى: فهى طيور معروفة بلذة لحومها، مطبوخة أَو مشوية، فكانوا يتغذون بالسلوى ويتحلون بالمن حيثما شاءُوا.
(١) البرد: قطع من الثلج كحب الحمص غالبا، ينزل مع المطر.