للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَي: واذكر يا محمَّد وقت أَن أَعلم ربك الناس بما قضاه على بنى إسرائيل جزاء سيئاتهم وتمردهم المستمر، ليسلطن عليهم إلى يوم القيامة من يذيقهم سوء العذاب، من إِجلاءٍ وتشريد، وقد بعث الله عليهم بعد سليمان بختنصر، فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم، وضرب الجزية على من بقى منهم ثم سلط عليهم الرومان مرة بعد أخرى - بسبب جرائمهم - فشردوهم، وهدموا هيكلهم، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا (١).

ولما جاء نبينا محمَّد بالهدى ودين الحق تآمروا على قتله، وعاهدوا قريشًا عليه في غزوة الخندق، فقاتلهم وأَجلى من بقى منهم، ثم توالى عليهم الإِذلال والتشريد والقتل بعد ذلك، أَما نشاطهم الحالى في كثير من المجتمعات - فإِلى حين، ولسوف يعود إِليهم الإِذلال والتشريد، وما ربك بغافل عما يعملون.

ثم ختم الله الآية بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ليشير بذلك إِلى أَنه لا ينبغي لأَحد عصى الله أَن يأْمن جانبه ويطمئن إِلى حلمه فيستمر في معاصيه، فهو سريع العقاب لمن رأَى الحكمة في تعجيل عقابه، ويشير بذلك أيضًا إِلى أَنه عظيم الغفران واسع الرحمة لمن تاب وآمن.

١٦٨ - ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ في الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ .. ﴾ الآية:

توعدهم الله في الآية السابقة بأَن يبعث عليهم - إِلى يوم القيامة - من يذيقهم سوءَ العذاب، وجاءت هذه الآية لتبين أثرا من آثار هذا الوعيد وهو تفريقهم في الأَرض حتى لا تكون لهم شوكة، وهذا التفريق والتقطيع في الأَرض بتسليط الله عليهم من يفرقهم فيها بسبب عصيانهم لله وإيذائهم للأُمم التي يعيشون فيها.

والمعنى: وفرقناهم في الأَرض فرقًا وقطعًا (٢) كل فرقة في قطر من أَقطارها، وقلما يخلو قطر فيها منهم، حتى لا تكون لهم شوكة ومنعة باجتماعهم في قطر واحد يترتب عليه أَذى


(١) ولما جاءت المسيحية لقوا من أهلها أذى كثيرًا، بغير شفقة ولا رحمة، حيث شردوهم في أنحاء الأرض، وأحرقوهم وفرضوا عليهم أفدح الضرائب واستعبدوهم وكل ذلك بسبب جرائمهم ومؤامراتهم.
(٢) والتعبير عن فرقهم بالأمم في قوله تعالى: "وقطعناهم في الأرض أمما" للإشارة إلى أنهم حينما يتفرقون في الأرض يكونون أمما أَي جماعات، فتراهم يتجمعون ولا يسمحون بدخيل يكون بينهم، يتعرف مكرهم ويطلع على مكايدهم، وينبه الدولة التي هم فيها إلى مؤامراتهم وخطرهم.