كثيرًا لعباد الله، أَلا ترى أَنهم لما اجتمعوا وصارت لهم دولة في فلسطين تنفيذًا لوعد - بلفور - الإِنجليزى في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادى، آذوا جيرانهم من عرب فلسطين والأُردن وسوريا ومصر، وعدوا على أَراضيهم، ولكن الله العلى القدير، سلط عليهم جيش مصر وجيش سوريا في العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣ الموافق ٦ من أُكتوبر سنة ١٩٧٣، فدكا حصونهم وأَوقعا بجيشهم، فقتلا منهم وجرحا وأَسرا عددًا كبيرًا، وحطما أَسلحتهم وأَجهزة الحرب لديهم، من طائرات ودبابات وغيرها، في حرب خاطفة أَذهلت أُمم العالم، وحملتهم على تأييد العرب ضدهم في استردادهم الأَرض التي سلبوها منهم وسيتحقق بإِذن الله للعرب والمسلمين مزيد من النصر عليهم، حتى تزول دولتهم من أَرض العرب، وتنتهى شوكتهم ومنعتهم، ويعودوا إِلى سوءِ العذاب والنكال الذي توعدهم الله به في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ … ﴾ الآية.
أَمَّا الصالحون منهم في قوله تعالى: ﴿مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ﴾ فالمقصود بهم كما قال الطبرى من آمنوا بالله ورسله الذين أرسلوا إِليهم، وثبتوا على دينهم قبل عيسى ﵇. وقيل: هم الذين أَدركوا النبي ﷺ وآمنوا به، ونسب ذلك إلى ابن عباس ﵄.
وأَما من هم دون ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ فالمقصود بهم كفارهم وفساقهم فهم دون الصالحين وأَحط منهم.
أَي وامتحناهم بالنعم المختلفة من مال وخصب وعافية وولد وغير ذلك من الحسنات، كما امتحناهم بالمحن المتنوعة من الجدب والتشريد، والقتل والأَسر وغير ذلك من السيئات التي تسوءهم لعلهم يرجعون إِلى طاعة ربهم، ويتوبون من غيهم.