أَي: فجاء من بعد الصالحين والطالحين الأَولين من بنى إِسرائيل ذرية خلفهم ورثوا كتاب التوراة عن أَسلافهم - وهم الذين عاصروا النبي ﷺ يتعاطون العرض الأَدنى من هذا المتاع الدنيوى، وهو ما حرمه الله في كتابهم من الأَموال والعروض والوجاهة القائمة على الأَضاليل، ولا يقتصرون على ما أَحله الله منها، فقد كانوا يأْخذون الرشوة على القضاء لصالح من يدفعها وعلى تغيير حكم الله في التوراة عند الفتوى لقاء عرض زائل (١) وعلى تحريفها وسوء تأْويلها لصالح زعمائِهم ليحتفظوا بوجاهتهم لديهم، ويقولون في أَنفسهم لا يؤاخذنا الله بما نأخذ ولا بما نقول، بل سيغفر لنا، زاعمين أَنهم أَبناء الله وأَحباؤُه، ولهذا يصرون على الذنب، وهذا هوالمقصود بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ أَي يرجون المغفرة والحال: أَنهم إن يأْتهم عرض محرم مثل الذي أَخذوه يعودون لأَخذه مصرَّين على الذنب، زاعمين المغفرة مع الاستمرار فيه، فهم لا يرعوون ولا يتوبون ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾:
أَي أَلم يؤخذ على بنى إِسرائيل ميثاق التوراة وعهدها أَن لا يقولوا على الله إِلا الحق ودرسوا ما فيه دراسة تامة، فعرفوا حلاله وحرامه، فما بالهم يتعاطون الحرام ويصرون عليه، ويقطعون بمغفرة الله لذنوبهم.
أَي وثواب الدار الآخرة خير للذين يتقون الله فيتوبون إِليه من كفرهم ومعاصيهم وقولهم على الله غير الحق وأَخذهم ما لا يحل لهم، فإِن متاع الدنيا قليل ومتاع الآخرة كثير دائم.
أَي: والذين يتمسكون في أُمور دينهم بالكتاب، يقال مَسَّك بالشئِ وتمسك به بمعنى واحد والمراد بهم - كما قال مجاهد وابن زيد - الذين آمنوا من أَهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأَصحابه، تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى ﵇ فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة.
(١) قيل: كان يأتيهم المحق برشوة فيخرجون كتاب الله فيحكمون له به، فإذا جاءهم المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا له كتابهم الذي كتبوه بأيديهم تحريفا وتبديلا لما في التوراة - فحكموا له به.