ونظرًا لتأصل عادة الشرك في نفوس المشركين بتقليد من قبلهم واتباعهم إِياهم، فقد جاءَت هذه الآيات الكريمة، تحكى طائفة اخرى من الحجج التي تدحض الشرك وتدمغ المشركين بالخزى والجهل والعار، مع بيان الفرق بين من تجب عبادته لقدرته، وما لا تصح عبادته لعجزه، حتى يمكن اقتلاع تلك العقيدة الفاسدة عن جذورها واستئصالها من منابتها، لتنتصر كلمة التوحيد وتعلو على أَساس ثابت، وتتضح بدليل قاطع فقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ .... ﴾ الآية: أَي إِن الأَصنام وسائر الآلهة التي تعبدونها أَيها المشركون من دون الله وتنادونهم لنصرتكم في الشدائد، عباد مماثلون لكم في العبودية، لأَنهم مخلوقون لله ومسخرون وخاضعون لما خلقوا له مثلكم، والأَصنام جمادات، مسخرة لأَمر الله كما سخرت الأَرض والسموات لأَمره سبحانه وسنته في الكون.
وإِذا كانوا أَمثالكم فإِنه يمتنع عقلا، أَن تطلبوا منهم ما قد عجزتم عن مثله. وإِذا كان الذين تدعون من دون الله أَحياء مثلكم، فالمماثلة تقتضى عجزهم كما عجزتم، وإِن كان ما تدعونه جمادا فهو أَقل منكم حيث لا حياة له ولا عقل، بل هو دون المماثلة لكم حينئذ، فكيف ترفعونهم إلى مقام الألوهية، وهم مثلكم أو أَعجز منكم وأَقل شأْنا، وفي قوله تعالى: ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾: تقرير لعجزهم أَي فنادوا أَيها المشركون هذه الأَصنام، فإِذا سمعوا نداءَكم فلتكن منهم الإِجابة لكم، إِن كنتم صادقين في زعمكم أَنهم قادرون على النفع والضر - ولام الأَمر في "فليستجيبوا" للتعجيز والسخرية والتهكم بهم.
وبعد أَن قرعهم القرآن الكريم على عبادة عباد مماثلين لهم في التسخير والخضوع لأَمر الله، عاجزين عما عجز عنه العابدون لهم، أَكد تقريعهم ببيان غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم، إِذ أَوضح أَنهم أَحط منهم مرتبة وأَقل درجة لفقدانهم وسائل جلب النفع ودفع التفسير في قوله تعالى: