أَي ليس لهؤلاءِ الأَصنام أَرجل يمشون بها كما تمشون بأَرجلكم إِلى أَغراضكم، بل ليس لهم أَيد يأخذون بها بالعنف والقوة ما يريدون من غيرهم أويدفعون بها عن أنفسهم وعابديهم بل ليس لهم أَعين يبصرون بها أَحوالكم ليحققوا لكم أَغراضكم، بل ليس لهم آذان يسمعون بها كلامكم، ليستجيبوا لرغباتكم، وإذا كان هذا هو شأن الجمادات التي تعبدونها من دون الله، فلماذا ترفعونهم إِلى مقام الألوهية، ثم ترفضون الاستماع لرسول الله ﷺ، والاستجابة لأَمر الله تعالى؛ ومن كان هذا شأنه فهو أَحط منزلة من مستوى المماثلة بينكم وبينهم، فكيف يكون لهم مقام الألوهية والعبودية، ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، تعالى الله عما يشركون.
وبعد أَن بين القرآن الكريم أَن شركاءَهم لا يقدرون على شيء أَصلا، وأَنهم أَحط منهم درجات، أَمر الرسول ﷺ أَن يلزم المشركين ويفحمهم بعجزهم وعجز آلهتهم. فطلب منهم أَن يلحقوا به ضررا ما فقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ .... ﴾ الآية: أَي قل يا محمَّد لهؤلاء المشركين للتهكم بهم وإفحامهم وإِلزامهم الحجة، نادوا شركاءَكم وأَحضروهم واستعينوا بهم علىَّ، ثم اجتمعوا أَنتم وهُمْ وبالغوا في بذل أَقصى ما تستطيعون في تدبير الكيد والمكر فلا تمهلونى ساعة بعد ترتيب أُموركم وإِحكام مكركم، ولا تؤخروا مما قررتم إنزاله بى من عقاب فإِنى لا أبالى بكم ولا أَعبأ بمكركم، وأَساس هذا القول عظم الثقة باللهِ تعالى وأَنه ولى الصالحين، كما قال تعالى. حكاية عن حال نبيه ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾: أَي لا أَبالى بكم وبشركائكم، لأَن المتولى لأَمرى وناصرى هو الله وحده، الذي نزل الكتاب الناطق بأَنه وليَّى وناصرى وأَن شركاءَكم لا يستطيعون نصر أَنفسهم فضلا عن نصركم ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾: أَي وقد جرت سنته تعالى، أَن يتولى وحده رعاية الصالحين من عباده، وحفظهم، وأَنه ينصرهم ولا يخذلهم.
وممّا تقدم يتبين أَن الاستفهام في قوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ﴾ … الخ للإِنكار المراد منه النفى، كما أَفاد الأسلوب غاية التهكم بهم والسخرية من تدبيرهم.