أَي وإذا لم تجئ إِليهم أَيها الرسول بما طلبوا من الآيات والمعجزات قال هؤلاءِ المتعنتين ساخرين: هلاَّ جئتنا بما طلبناه من الآيات كى نصدق رسالتك.
فأَمر الله نبيه أَن يسمعهم الجواب الشافى ردًّا على سخريتهم بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي﴾: أَي قل لهم يا محمَّد ليس لى طريق أَتبعه سوى اتباع ما يوحى به الله إِليَّ من شرائعه أَعمل بها وأَبلغها وليس لى أَن أَقترح شيئًا من المعجزات والآيات، ثم أَرشِدْهم يا محمَّد إلى أَن هذا القرآن هو أَعظم المعجزات وقيل لهم: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾: أَي هذا القرآن الذي أَوحاه الله إليَّ يبصِّر عقولكم ويهدى قلوبكم إِلى قبول الحق ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: وهذا القرآن أَيضا بما اشتمل عليه من الحجج الواضحة والدلالات الظاهرة يوصلكم إِلى أَعلى درجات الإِيمان وهو كذلك رحمة شاملة جاءَ بها نبى الرحمة المهداة.
وتلك الهداية وهذه الرحمة لا ينالهما ساخر ولا مستهزئ. ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾.
أَشار الله تعالى إلى القرآن وثمراته في نفع العباد بقوله في الآية السابقة: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. وفي ذكر هذه الفوائد حمل للناس على أَن يقرأوا القرآن ليتعبدوا بتلاوته، وليتبصروا في آياته، حتى يكون لهم هدى ورحمة. وأَشار في هذه الآية إِلى ما ينبغي إِذا قرئ القرآن من الاستماع والإِنصات إِليه توصلا إِلى الانتفاع به.
أَي وإِذا قرئ القرآن من أَي قارئ، فيجب على من حضر مجلس القرآن، أَن يحسن الاستماع إليه بوعى وقصد وتدبر، وأَن ينصت فلا يتكلم احتراما لكلامه العزيز، وتعظيما له، راجين بحسن الاستماع والإِنصات إِليه رحمة الله.
وإِنما جمع بين الاستماع والإِنصات، لأنهما معا أَعون على الفهم والتدبر وأَتمُّ في الانتفاع وأَرجى لرحمة الله ﷾، فضلا عما فيه من الأَدب مع الله واحترام كلامه جلّ شأْنه؛ والأمر بالاستماع والإِنصات عند قراءة القرآن عام في جميع الأَحوال التي يقرأ فيها القرآن.