﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْتَا﴾: أي كانت حالهم في المخالفة مثل حال من قالوا: سمعنا قولك، وعصينا أمرك.
﴿وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ … واختلط حب عبادة العجل بقلوبهم، تقليدا لساداتهم من الفراعنة: الذين كانوا يعبدونه ويقدسونه، ولم ينتفعوا بتحرير الله لهم من ذل العبودية والقتل، بشق البحر لهم وإنجائهم.
لهذا انتهزوا فرصة ذهاب موسى ﵇ -ألواح التوراة، فأرضوا حبهم لمعبودهم القديم، وعبدوا صنما على شكل العجل: صنعه لهم موسى السامري من حليهم، (انظر آية ١٤٨ من سورة الأعراف، وآية ١٨ وما بعدها من سورة ط).
والكلام على تقدير مضافين، أَي: وأشربوا حب عبادة العجل، وجاءَ النظم بدون المضافين للمبالغة، كأن الذكرًاشربوه هو ذات العجلي، والإشراب إفعال من الشراب.
ومن عادة العرب أنهم إِذا عبروا عن مخامرة حب أو بعض، استعاروا لهما اسم الشراب، وآثروه. على الطعام، لأنه يتغلغل في جميع الاعضاه أسرع وأَقوى منه.
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، قل لهم يا محمَّد: بئس الذي
يأْمركم به إيمان المزعوم بالتوراة: من الأعمال التي تقترفونها، كعبادة العجل، وقتل الأنبياء،
للإيذان بأنه ليس بإيمان حقيقة، كما ينبئ عنه قوله تعالى: ﴿إنْ كنْتُم مؤْمِنِينَ﴾ فإنه قدح في دعوأحم لإيمان بما أنزلى عليهم عن التوراة. وإبطال لهذه الدعوى. وتقرير الإبطال: إِن كنتمّ -فيما اقترفتموه عن الشرك والمعاصي- مؤمنين بها، عاملين بما فيها كما ادعيتم، بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ إيمانكم المزعوم بها، إذ أن الإيمان الصادق بهلالا يأمركم بما اقترفتموه من الشرك والمعاصى، فليس فيها إباحة شئ من ذلك. وهذا برهان على عدم إِيمانكم بها.