المنافقون: هم الذين أظهروا الإِيمان وأَبْطنوا الكفر. والذين في قلوبهم مرض: إِما المنافقون والعطف للتفسير، وإِما أَنهم قوم أَسلموا حديثًا، ولم تطمئن قلوبهم بالإِيمان، وإِما أَنهم المشركون لمرض قلوبهم.
والمعنى: واذكر يا محمَّد حين يقول المنافقون ومرضى القلوب من هؤلاءِ أَو أُولئك، خدع هؤلاءِ المؤمنين دينهم، فخرجوا مع قلتهم وضعف استعدادهم لقتال المشركين مع كثرتهم وقوة استعدادهم، إِذ كان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، ولم تكن معهم أَسلحة كافية ولا إِبل ولا خيل إِلا قليلًا فقد خرجوا للقاءِ عير قريش، ولم يخرجوا لقتالهم كما تقدم بيانه، وكان عدد المشركين ثلاثة أَمثالهم. وقد جاءُوا مستعدين تمام الاستعداد لقتال المسلمين، فزعم المنافقون كما زعم مرضى القلوب أَن المسلمين خرجوا مغترين بدينهم ظانِّين أَنهم ينصرون به فيرد الله - تعالى - عليهم قائلًا:
أَي ومن يكل أَمره إِلى الله مؤمنًا بأَنه ناصره، ينصره الله فهو - سبحانه - يكفى المؤمنين ما أَهمهم، وينصرهم على أَعدائهم وإِن كثروا وعظم استعدادهم، وهو كذلك حكيم يضع كل أَمر في موضعه، على ما جرى عليه النظام والتقدير في سننه، ومنه نصر الحق على الباطل، وكثيرًا ما تدخل عنايته بالمتوكلين في باب الآيات وخوارق العادات.
أَي ولو عاينت يا محمَّد وشاهدت حال هؤلاءِ الكفار حين تتوفاهم الملائكة ببدر وتنتزع أَرواحهم، وهم يضربون وجوههم عند اللقاءِ وظهورهم عند الفِرار، لشاهدت أمرًا فظيعًا يدل على شدّة ما أَصابهم من الخزى والعار والهزيمة.
﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾:
أَي تضرب وجوههم وظهورهم، وتقول لهم: ذوقوا عذاب اللهيب المحرق، والمراد بضرب وجوههم وأَدبارهم، ضربهم من كل ناحية.