للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾:

العقب: مؤخر القدم، ونكوصه على عقبيه، رجوعه إِلى الوراءِ، والمراد به بطلان كيده.

والمعنى: فلما أَبصر كلٌّ من الفريقين الآخر، وقد رجحت كفة المؤمنين بإِمداد الملائكة لهم، بطل كيد الشيطان وتزيينه، بظهور عجزه عن نصرتهم وتبرئه منهم، وانتحاله العذر لنفسه في خلف وعده، وذلك ما يحكيه الله بقوله:

﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾:

أَي إني برئٌ من نصرتكم لأَننى أَرى من أَسباب نصرة المسلمين ما لا ترون.

﴿إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾:

أَي إِنى أَخشى عقاب الله، والله شديد العقاب، ذكر الكشاف عن الحسن : كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم.

وقيل: لما اجتمعت قريش على السير ذكرت الذي بينها وبين كنانة من الحرب فكاد ذلك يثنيهم فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الشاعر الكنانى - وكان من أَشرافهم - في جند من الشياطين معه راية. وقال: لا غالب لكم اليوم إِنى مجيركم من بني كنانة فلما رأَى الملائكةَ تَنْزل نكص.

وفي موطأ مالك أَن رسول الله قال: "ما رأَى الشيطان نفسه يومًا هو فيه أَصغر ولا أَحقر ولا أَدحر ولا أَغْيَظَ منه في يوم عرفة، وما ذاك إِلا لِما رأَى من تنزل رحمة الله، وتجاوزه عن الذنوب العظام، إلا ما رأَى يوم بدر - قيل وما رأَى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: أَما إِنه رأَى جبريل يَزَع (١) الملائكة".

ثم ذكَّر الله المؤمنين بموقف المنافقين ليحذروهم فقال:


(١) يزع الملائكة: أَي يصفهم ويغريهم، والوازع في الأصل الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر ويطلق أيضًا على الرادع الذي يزجر غيره.