بيَّنت هذه الآية الكريمة أَن هؤلاءِ اليهود الذين هم شر الدواب عاهدهم النبي ﷺ فغدروا، ثم عاهدهم فغدروا، وتكرَّر منهم نقض العهد في كل مرة، وهم لا يتقون الله، ولا يخشون عقابه لهم على نكث العهد، وما يجره عليهم من نكبات تحلُّ بهم.
المراد من (ما) في قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ التأْكيد، والمعنى: إِذا كان حالهم ما ذكر من نقض العهود، ففي أَي وقت أَو مكان تصادفهم وتظفر بهم في الحرب فشتِّت بقتالهم والتنكيل بهم مَنْ خلفهم من الناكثين للعهود، والمتربصين لقتال المسلمين، لعل الأَعداءَ من ورائهم يتعظون بما فعلت مع هؤلاءِ من حرب ونكاية وتشريد.
المراد من لفظ (ما) في قوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ﴾ التأْكيد كسابقتها.
والمعنى: وإِن خفت في أَي وقت، من قوم خيانة في عهد بينك وبينهم، بأَمارة تلوح لك كما ظهر من بني قريظة وبنى النضير، فاطرح إِليهم عهدهم وأَعلمهم بذلك وأَنه لا عهد بعد اليوم، ولتكن أَنت وهم في ذلك العلم وطرح العهد على سواءٍ، أَي مستويًا أَنت وهم في ذلك، لئلاَّ يتهموك بالغدر إِن أَخذتهم بغتة قبل أَن تبلغهم. ثم علل هذا الأَمر بقوله:
﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾:
أَي لا يرضى عن الغادرِين الذين يغدرون بمن كان في أَمانٍ وعهدٍ، هذا إِذا لم يتحقق نقضهم للعهد، وإِلاَّ حاربهم كما فعل رسول الله ﷺ بقريش، حينما