يعرفون أنهم عاصون، مقترفون للذنوب التي يستحقون عيها العقوبة في الدار الآخرة، ولذلك يستأجلون ولا يستعجلون.
وعبر عن أنفسهم بأيديهم؛ لأن معظم الأعمال تتم بالأيدى، ونفى تمنيهم الموت بلن المفيدة لتأكيده، لأَنه ظاهر من حالهم، فإنهم أحرص الناس على الحياة وجمع المال، والانغماس الشهوات والملذات، ومن كَان كذلك، لا يتمنى أن يموت.
وهم في هذا الزعم- بأن الدار الآخرة خالصة لهم- ظالمون، كما، أنهم ظالمون في كل أمورهم، ولهذا هددهم الله وتوعدهم على ظلمهم، فقال: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أي: عليم بهم، وبما صدر عنهم من فنون الظلم، من السفر وسائر المعاصي المفضية إلى أشد العذاب، وعليم بأنهم لن يتمنوا الموت لظلمهم، كما أَنه عليم بسائر أحوالهم.
وكان التعبير ﴿بِالظالِمِينَ﴾ دون ﴿بِهِمْ﴾. للإِيذان بأن السبب في حرمانهم من الدار الآخرة، أنهم ظالمون في أمرهم كله، وان كل من كان على شاكلتهم في الظلم والمعاصي، فهو مهدد بالعقاب، كما هددوا به.
في هذا والذي قبله، إبطال لزعمهم، وبيان لحقيقة حالهم: من الإخلاد إِلى حياة الدنيا، فهم أشد الناس حرصا عليها، وعلى التمسك بأهدابها. ولو كانوا يؤمنون حقيقة بأن الدار الآخرة لهم- كما زعموا بالسنتهم- لتمنوا الموت، وما كانوا أحرص الناس على حياة.
وتنكير (حياة) للإطلاق: أي أحرص الناس على آية حياة، وإن كانت ذليلة، فهي عندهم خبر من الموت، كيفما كانت.
﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾: أي وهم أشد حرصا على الحياة من الذين: أشركوا، ولم
يؤمنوا بالله، ولا باليوم الآخر. وخصوا بالذكر بعد اندراجهم في الناس، لأنهم لا يؤمنون
بحياة أخرى بعد هذه الحياة، ويقولون: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (١).