وفي هذا توبيخ عنيف لليهود، لأنهم إذا زاد حرصهم على الحياة - وهم أهل كتاب، يؤمنون بالآخرة - على حرص الناس جميعًا، حتى الذين لا يعرفون إِلا الحياة الدنيا، ولا يصدقون ببعث ولا نشور -كانوا- جديرين بأعظم التوبيخ.
وقوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ معطوف على ما قبله بحسب المعنى، كأنه قيل: أحرص من الناس ومن الذين أشركوا. فقوله (أحْرَصَ النَّاسِ) فيه كلمة (من) مقدرة بعد أحرص.
وإِلى هذا ذهب عبد القاهر، وأَبوعلى وغيرها، فقد قالوا إن أفعل إذا أُضيف وأُريد منه الزيادة على، ما أُضيف إليه، كانت إِضافته لفظية بتقدير: مِنْ
﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾: أَي بلغ من: مدة غلوهم في الحرص على الحياة، أن الواحد منهم، يتمنى أن يعيش السنين الكثيرة، ولو تجاوزت الحد الذي يبلغه الإنسان في العادة. فكلمة (أَلفَ سَنَة) كناية عن المدة الطويلة، التي يود أن يحياها. وليس المراد خصوص العدد؛ لأَن العرب تذكر الأَلف، وتريد الكثرة.
وإنما يودون البقاء في الدنيا، لأنهم يرون أَنها- على ما فيها منغصات - خير من الآخرة لما يتوقعون من سخط الله، وتعذيبه لهم على ما أسلفوا من كفر وعصيان، وذلك خير شاهد على أَنهم لا يعتقدون ما يقولون: من أَن نعيم الدار الآخرة خالص لهم.
﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ وما ذلك التعمير لو تم، بنافعه ولامبعده من عذاب الله المحتوم، لأنه لا بد له من الموت والعرض على الله، ليجازى على ما قدم في دنياه.
والتعبير بالجملة الإسمية، للدلالة على دوام بقائهم في النار، وعدم تزحزحهم عنها.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي واعُد عالم بأعمالهم ومحيط بها، علم من ببصر ويرى، ولا تخفى عليه خافية من أمرهم، ومجازيهم عليها، بما أعده لهم من العقاب.
وفي هذا تهديد ووعيد لهم.
وعبر بالمضارع ﴿يَعْمَلُونَ﴾ بدلا من الصدر؛ لتصوير عملهم بأَنه كان يتجدد آنا بعد آن.